الأربعاء، 27 فبراير 2013

اكذوبة سقوط بغداد بسبب ابن علقمي

من الشبهات التي تطال الشيعة عبر قرون وكلما حصلت للمسلمين مصيبة يتهمون الشيعة انهم سببها واحدى هذه الشبهات سقوط بغداد على يد الشيعي ابن علقمي ورغم ذلك تم تكذيب هذه الاسطورة عبر العديد من العلماء الافاضل وكتبهم وهنا نستعرض جزء من كتاب كيف رد الشيعة غزو المغول للشيخ المجتهد على كوراني العاملي


وصلت الخلافة العباسية قبيل الغزو المغولي الى غاية ضعفها بسبب استغراق الخليفة وبطانته وسلاطينه في اللهو الترف وجمع المال ! وكان خطر غزو المغول واضحاً ماثلاً أمامهم ، لكن الخليفة المستعصم بالله ، بقي مستعصماً في اللهو والخمر والنساء ، حتى بعد أن وصل الزحف المغولي الى قصره
وقد شهد بذلك المؤرخ المعاصر للحدث ابن الطقطقي في الآداب السلطانية/27: (وكان المستعصم آخر الخلفاء شديد الكلف باللهو واللعب وسماع الأغاني ، لا يكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعة واحدة ، وكان ندماؤه وحاشيته جميعهم منهمكين معه على التنعم واللذات ، لا يراعون له صلاحاً ! وفي بعض الأمثال: الحائن لا يسمع صياحاً !(الحائن: لذي حان هلاكه بحمقه) وكتبت له الرقاع من العوام وفيها أنواع التحذير وألقيت فيها الأشعار في أبواب دار الخلافة ، وملكه قد أصبح واهي المباني ! ومما اشتهر عنه أنه كتب إلى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل يطلب منه جماعة من ذوي الطرب ، وفي تلك الحال وصل رسول السلطان هولاكو إليه يطلب منه منجنيقات وآلات الحصار ! فقال بدر الدين: أنظروا إلى المطلوبَيْن وابكوا على الإسلام وأهله ! وبلغني أن الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي كان في أواخر الدولة المستعصمية ينشد دائماً:
كيف يُرجى الصلاح في أمر قومٍ ضيَّعوا الحزمَ فيه أيَّ ضياعِ
فمطاعُ المقال غيرُ سديد وسديدُ المقال غير مطاعِ).انتهى.
2- اختاروا خليفةً ضعيف الشخصية ليكون القرار بيدهم !
قال الذهبي في تاريخه:48/259: (قال الشيخ قطب الدين: كان(المستعصم)متديناً متمسكاً بالسنة كأبيه وجده ، ولكنه لم يكن على ما كان عليه أبوه وجده الناصر من التيقظ والحزم وعلو الهمة فإن المستنصر بالله كان ذا همة عالية وشجاعة وافرة ونفس أبية ، وعنده إقدام عظيم ، استخدم من الجيوش ما يزيد على مائة ألف ، وكان له أخ يعرف بالخفاجي يزيد عليه في الشهامة والشجاعة وكان يقول: إن ملكني الله لأعبرن بالجيوش نهر جيحون وأنتزع البلاد من التتار واستأصلهم ! فلما توفي المستنصر لم يَرَ الدويدار والشرابي والكبار تقليد الخفاجي الأمر وخافوا منه وآثروا المستعصم لما يعلمون من لينه وانقياده وضعف رأيه، ليكون الأمر إليهم ، فأقاموا المستعصم). انتهى.
وقال ابن العبري في تاريخ مختصر الدول/226: (وفي سنة أربعين وستمائة بويع المستعصم يوم مات أبوه المستنصر، وكان صاحب لهو وقصف وشغف بلعب الطيور واستولت عليه النساء ، وكان ضعيف الرأي قليل العزم كثير الغفلة عما يجب لتدبير الدول . وكان إذا نُبِّهَ على ما ينبغي أن يفعله في أمر التاتار إما المداراة والدخول في طاعتهم وتوخي مرضاتهم أو تجييش العساكر وملتقاهم بتخوم خراسان قبل تمكنهم واستيلائهم على العراق ، فكان يقول: أنا بغداد تكفيني ! ولا يستكثرونها لي إذا نزلت لهم عن باقي البلاد! ولايهجمون عليَّ وأنا بها وهي بيتي ودار مقامي ! فهذه الخيالات الفاسدة وأمثالها عدلت به عن الصواب ، فأصيب بمكاره لم تخطر بباله).انتهى.
أقول: أنظر الى هذه البطانة السيئة أيَّ نوع من الناس نصبته خليفة؟! وما الفرق بين منطق(الخليفة)ومنطق مدمن مخدرات؟! وهل منطق بطانته إلا مثله؟!
ثم اعجب للذين يريدون تبرئة هؤلاء السكارى الخوَّارين ، ووضع جريمتهم على عاتق شيعي تقي لا يسكر ولا يرقص ، هو محمد بن العلقمي رحمه الله!
فأين كان ابن العلقمي عندما فرض(الدويدار والشرابي والكبار)مستعصمهم في سنة640، لأنه مفصَّلٌ على مقاسهم (لما يعلمون من لينه وانقياده وضعف رأيه ليكون الأمر إليهم )؟! وكان ذلك قبل سقوط بغداد بخمس عشرة سنة ؟!
وقد وصف في النجوم الزاهرة:6/345 تخليفهم له فقال: (وفيها(640) توفي الخليفة أمير المؤمنين المستنصر بالله... وخطب له يومئذ بالجامع حتى أقبل شرف الدين إقبال الشرابي ومعه جمع من الخدام ، وسلم على ولده المستعصم بالله أمير المؤمنين ، واستدعاه إلى سدة الخلافة ، ثم عرَّف الوزير وأستاذ الدار ، ثم طلبوا الناس وبايعوه بالخلافة ، وتم أمره ) .
3 ـ قام الخليفة وبطانته بعمل أحمق فحلوا جيش الخلافة !
وقد شهدت مصادرهم المعادية للشيعة بهذا المرسوم العجيب ، وأجمعت على أن المستعصم وأباه المستنصر وقادة جيشه الشرابي والدويدار الصغير وأباه الكبير ، اتخذوا قرار تسريح جيش الخلافة وكان عدده مئة ألف ، وأنهم أصروا على ذلك رغم الإعتراضات ، وخطر مجئ المغول الى العاصمة !
قال أبو الفداء في تاريخه/804: (ولما مات المستنصر اتفقت آراء أرباب الدولة مثل الدوادار والشرابي على تقليد الخلافة ولده عبد الله ولقبوه المستعصم بالله ، وهو سابع ثلاثينهم وآخرهم ، وكنيته أبو أحمد بن المستنصر بالله منصور ، وكان عبد الله المستعصم ضعيف الرأي فاستبد كبراء دولته بالأمر ، وحسنوا له قطع الأجناد ، وجمع المال ومداراة التتر ، ففعل ذلك وقطع أكثر العساكر) .
وقال القلقشندي في مآثر الإنافة:2/89: (وأبطل أكثر العساكر ، وكان التتر من أولاد جنكزخان قد خرجوا على بلاد الإسلام على ما تقدم ، وملكوا أكثر بلاد الشرق والشمال...وكان عسكر بغداد قبل ولاية المستعصم مائة ألف فارس ، فقطعهم المستعصم ليحمل الى التتر متحصل إقطاعاتهم ! فصار عسكرها دون عشرين ألف فارس). انتهى.
قال الذهبي في تاريخه:48/34: (وكان المستنصر بالله(والد المستعصم)قد استكثر من الجند حتى بلغ عدد عساكره مائة ألف فيما بلغنا ، وكان مع ذلك يصانع التتار ويهاديهم ويرضيهم). انتهى.
أقول: كان إقبال الشرابي التركي قائد لجيش الخلافة ، وهو الذي اتخذ قرار حل الجيش مع الخليفة المستنصر ، وثار عليه الجند فقمعهم بعنف وقتل منهم قبل أن يجئ المستعصم وابن العلقمي!(النجوم الزاهرة:6/345، وأعيان الشيعة:9/85) .
فكيف نصدق المتعصبين في تحميلهم مسؤولية حل الجيش لابن العلقمي؟! والصحيح أن ابن العلقمي حاول أن يعيد تشكيل الجيش فلم يسمعوا له ! وقد شهد الذهبي وغيره بذلك عن غير قصد، كما شهدوا بأن الخليفة وقائد (جيشه) لم يكونا يسمعان لابن العلقمي رأياً ! قال في تاريخه:48/290: (كان وزيراً كافياً ، قادراً على النظم ، خبيراً بتدبير الملك ولم يزل ناصحاً لمخدومه حتى وقع بينه وبين حاشية الخليفة وخواصه منازعة فيما يتعلق بالأموال والإستبداد بالأمر دونه ، وقويت المنافسة بينه وبين الدويدار الكبير وضعف جانبه حتى قال عن نفسه:
وزيرٌ رضي من بأسه وانتقامه بِطَيِّ رُقاعٍ حشوُها النظمُ والنثرُ
كما تسجع الورقاءُ وهي حمامةٌ وليس لها نهيٌ يطاعُ ولا أمرُ). انتهى.
وروى ابن كثير أن نتيجة مرسوم حل الجيش أنَّ بغداد لم تقاوم المغول ! قال في النهاية:13/234: (فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة ، لا يبلغون عشرة آلاف فارس وهم وبقية الجيش كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم ، حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد ، وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم، ويحزنون على الإسلام وأهله ! وذلك كله عن آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي) ! انتهى.
فاعجب لتعصبهم على ابن العلقمي رحمه الله الذي لم يكن يملك شيئاً من القرار، وتبرئتهم للمجرمين الحقيقيين الخليفة المستنصر والمستعصم وقادة الجيش الأتراك الذين أصروا على حل الجيش ، وفرضوا خليفة ضعيفاً يطيعهم في استمرار حل الجيش وتوفير ميزانيته ، بينما كان خطر المغول واضحاً للعيان !
وقد اضطر الزركلي وهو متعصب كالذهبي للقول إن مؤرخين ثقاة حكموا ببراءة ابن العلقمي، قال في الأعلام:5/321:(محمد بن أحمد...مؤيد الدين الأسدي البغدادي المعروف بابن العلقمي، وزير المستعصم العباسي وصاحب الجريمة النكراء في ممالأة هولاكو على غزو بغداد في رواية أكثر المؤرخين... وكان حازماً خبيراً بسياسة الملك كاتباً فصيح الإنشاء ، اشتملت خزانته على عشرة آلاف مجلد ، وصنف له الصغاني العباب وابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة . ونفى عنه بعض ثقات المؤرخين خبر المخامرة على المستعصم حين أغار هولاكو على بغداد سنة656، واتفق أكثرهم على أنه مالأه ). انتهى.
لكن الزركلي أظهر خبثاً عندما ترجم للمستعصم ونقل افتراء ابن تيمية ، فقال في:4/140: (وكان المغول قد استفحل أمرهم في أيام سلفه المستنصر فكاتب ابن العلقمي قائدهم هولاكو يشير عليه باحتلال بغداد ويَعده بالإعانة على الخليفة، فزحف هولاكو سنة645، وخرجت إليه عساكر المستعصم فلم تثبت طويلاً ، ودخل هولاكو بغداد فجمع له ابن العلقمي ساداتها ومدرسيها وعلماءها فقتلهم عن آخرهم) !
يقصد بذلك غارات المغول الصغيرة في زمن المستنصر قبل غزو هولاكو ، وكلها قبل وزارة ابن العلقمي ، فاتهامهم له كذبٌ وتعصب ، كاتهامهم له بأنه أتى بالفقهاء الى هولاكو ليقتلهم ، وستعرف أن الذي فعل ذلك عالمٌ سني !
4- حاول ابن العلقمي أن يعيد بناء الجيش فاتهموه !
وقع الذهبي في تناقض عجيب بسبب تعصبه فاتهم ابن العلقمي بحل الجيش ، ثم اتهمه بأنه حرك الجنود المطالبين بإعادة تشكيل الجيش للضغط على الخليفة لإعادته ! قال في تاريخه:47/63: (وفيها(سنة 648)كثر الحرامية ببغداد وصار لهم مقدم يقال له غيث ، وتجرؤوا على دور الأمراء . وفيها ثارت طائفة من الجند ببغداد ومنعوا يوم الجمعة الخطيب من الخطبة واستغاثوا لأجل قطع أرزاقهم . ثم أضاف الذهبي: وكل ذلك من عمل الوزير ابن العلقمي الرافضي) ! انتهى.
لقد أراد الذهبي أن يذم فمدح ! وكشف أن ابن العلقمي ساند أو دفع حركة الجنود لإعادة تشكيل الجيش للدفاع عن العاصمة والخلافة ! وهي شهادة كافية لتبرئة ابن العلقمي رحمه الله وإدانةٌ فاضحة للخليفة والدويدار والشرابي وسليمان اتلسلجوقي الذين أصدروا مرسوم حل الجيش قبل وزارة ابن العلقمي ليأكلوا ميزانيته ونفقاته ، بحجة أنهم يريدون جمع المال لمداراة التتر ! فالميزانية كانت بيدهم وقرار حل الجيش بيدهم، وقد اتهموا العلقمي بأنه يضغط لإعادة الجيش ليعطوه ميزانيته!(لتبرز إليه الأموال ليجند بها العساكر فيقتطع منها لنفسه)!(ابن الطقطقي/231).
وقد شهد ابن الطقطقي المعاصر لهم بنزاهة ابن العلقمي وبراءته ، قال في الآداب السلطانية/233: (وكان مؤيد الدين الوزير عفيفاً عن أموال الديوان وأموال الرعية متنزهاً مترفعاً. قيل إن بدر الدين صاحب الموصل أهدى إليه هدية تشتمل على كتب وثياب ولطائف قيمتها عشرة آلاف دينار ، فلما وصلت إلى الوزير حملها إلى خدمة الخليفة، وقال: إن صاحب الموصل قد أهدى لي هذا واستحييت منه أن أرده إليه ، وقد حملته وأنا أسأل قبوله فَقَبل . ثم إنه أهدى إلى بدر الدين عوض هديته شيئاً من لطائف بغداد قيمته اثنا عشر ألف دينار ، والتمس منه ألا يهدي إليه شيئاً بعد ذلك! وكان خواص الخليفة جميعهم يكرهونه ويحسدونه ! وكان الخليفة يعتقد فيه ويحبه وكثروا عليه عنده فكفَّ يده عن أكثر الأمور ونسبه الناس إلى أنه خامر(تآمر مع هولاكو) وليس ذلك بصحيح) .
5 ـ اعترفوا بأن ابن العلقمي حاول إنقاذ الخلافة فمنعوه !
فعندما أحسوا بقرب وصول حملة المغول استشار الخليفة وزيره ابن العلقمي فأشار عليه أن يرسل الى طاغيتهم هولاكو هدايا وفيرة ، ويطمئنه بأنه يعترف به سلطاناً كالسلطان البويهي والسلجوقي ، ليعترف هولاكو بالخليفة ولا يهاجم بغداد ! وقد اقتنع الخليفة بهذا الرأي وأمرهم فباشروا بتهيئة الهدايا والرسل ، لكن القائد السني المتعصب الدويدار وبقية البطانة استكثروا الهدية ومنعوا الخليفة من إرسالها فأطاعهم ، وأحبطوا بذلك محاولة إنقاذ الخلافة !
قال ابن العبري في تاريخ مختصر الدول/240: (وفيها في شهر شوال رحل هولاكو عن حدود همذان نحو مدينة بغداد ، وكان في أيام محاصرته قلاع الملاحدة قد سيَّر رسولاً إلى الخليفة المستعصم يطلب منه نجدة ، فأراد أن يسيِّر ولم يقدر ، لم يمكنه الوزراء والأمراء وقالوا: إن هولاكو رجل صاحب احتيال وخديعة وليس محتاجاً إلى نجدتنا ، وإنما غرضه إخلاء بغداد عن الرجال فيملكها بسهولة . فتقاعدوا بسبب هذا الخيال عن إرسال الرجال ! ولما فتح هولاكو تلك القلاع أرسل رسولاً آخر إلى الخليفة وعاتبه على إهماله تسيير النجدة ، فشاوروا الوزير فيما يجب أن يفعلوه فقال: لا وجه غير إرضاء هذا الملك الجبار ببذل الأموال والهدايا والتحف له ولخواصه . وعندما أخذوا في تجهيز مايُسَيِّرونه من الجواهر والمرصعات والثياب والذهب والفضة والمماليك والجواري والخيل والبغال والجمال ، قال الدويدار الصغير وأصحابه: إن الوزير إنما يدبر شأن نفسه مع التاتار وهو يروم تسليمنا إليهم فلا نمكنه من ذلك ! فأبطل الخليفة بهذا السبب تنفيذ الهدايا الكثيرة ، واقتصر على شئ نزر لا قدر له ، فغضب هولاكو وقال: لا بد من مجيئه هو بنفسه أو يسيِّر أحد ثلاثة نفر: إما الوزير وإما الدويدار وإما سليمان شاه . فتقدم الخليفة إليهم بالمضي فلم يركنوا إلى قوله ، فسيَّر غيرهم مثل ابن الجوزي وابن محيي الدين ، فلم يُجديا عنه) . انتهى.
وقال الذهبي في تاريخه:48/32: (وفي سنة خمس(655)سار هولاكو من همدان قاصداً بغداد ، فأشار ابن العلقمي الوزير على الخليفة ببذل الأموال والتحف النفيسة إليه ، فثناه عن ذلك الدويدار وغيره وقالوا: غرض الوزير إصلاح حاله مع هولاكو فأصغى إليهم وبعث هدية قليلة مع عبد الله بن الجوزي فتنمر هولاكو ، وبعث يطلب الدويدار وابن الدويدار وسليمان شاه فما راحوا ، وأقبلت المُغُل كالليل المظلم . وكان الخليفة قد أهمد حال الجند وتعثروا وافتقروا وقطعت أخبازهم ، ونظم الشعر في ذلك ! فلا قوة إلا بالله). انتهى.
فلماذا يتعامى أتباع الخلافة عن حقيقة أن مركز القرار والميزانية كانا بيد الخليفة وبطانته ، ويضعون المسؤولية على شيعي مدني لايملك القرار؟! ولماذا لايُدينون الخليفة البخيل المنهار الذي عرف أن المغول قصدوا العراق فأرسل معتمده محتسب بغداد الفقيه السني ابن الجوزي الى هلاكو ليسلمه الأهواز التي كانت خاضعة للخليفة مباشرة ! قال الذهبي في سيره:23/374: ( وقد أرسله المستعصم إلى خراسان إلى هولاكو ثم رجع وأخبر بصحة عزمه على قصد العراق في جيش عظيم ، فلم يستعدوا للقائه ! ولما خرج المستعصم إليه طلب منه أن ينفذ إلى خورستان من يسلمها ، فنفذ شرف الدين هذا بخاتم الخليفة فتوجه مع جماعة من المغول وعرفهم حقيقة الحال) ! انتهى.
ومع كل ذلك ظل (الخليفة) مستغرقاً في خمره حتى عندما أحاط جيش هولاكو بقصره وأصابت سهامهم راقصته ، فكان جوابه أن قال: كثفوا الستائر؟!
6- قال الخليفة: قتلوا راقصتي فكثِّفوا الستائر !
قال ابن كثير في النهاية:13/233: (وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه ، وكانت من جملة حظاياه وكانت مولَّدَةً تسمى عَرَفة ، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة ، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً !
(وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم)! فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الإحتراز وكثرة الستائر(الجُدُر) على دار الخلافة ! وكان قدوم هلاكو خان بجنوده كلها وكانوا نحو مائتي ألف مقاتل إلى بغداد في ثاني عشر المحرم من هذه السنة ، وهو شديد الحنق على الخليفة بسبب ما كان تقدم من الأمر الذي قدره الله وقضاه وأنفذه وأمضاه ، وهو أن هلاكو لما كان أول بروزه من همدان متوجهاً إلى العراق، أشار الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي على الخليفة بأن يبعث إليه بهدايا سنية ليكون ذلك مداراةً له عما يريده من قصد بلادهم ، فخذل الخليفة عن ذلك دويداره الصغير أيبك وغيره وقالوا إن الوزير إنما يريد بهذا مصانعة ملك التتار بما يبعثه إليه من الأموال ، وأشاروا بأن يبعث بشئ يسير فأرسل شيئاً من الهدايا فاحتقرها هلاكو خان وأرسل إلى الخليفة يطلب منه دويداره المذكور وسليمان شاه(وهو ممثل سلطان السلاطين الخوارزمي ، وحذف ذكر ابن العلقمي!)فلم يبعثهما إليه ولا بالى به حتى أزف قدومه ، ووصل بغداد بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة ممن لايؤمن بالله ولا باليوم الآخر ، فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة ، لايبلغون عشرة آلاف فارس وهم وبقية الجيش كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد ، وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله ، وذلك كله عن آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي وذلك أنه لما كان في السنة الماضية كان بين أهل السنة والرافضة حرب عظيمة نهبت فيها الكرخ ومحلة الرافضة حتى نهبت دور قرابات الوزير ، فاشتد حنقه على ذلك ، فكان هذا مما أهاجه على أن دبر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرُخّ أبشع منه منذ بنيت بغداد وإلى هذه الأوقات ، ولهذا كان أول من برز إلى التتار هو ! فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه فاجتمع بالسلطان هلاكو خان لعنه الله ، ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة، فاحتاج الخليفة إلى أن خرج في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والصوفية ورؤس الأمراء والدولة والأعيان ، فلما اقتربوا من منزل السلطان هولاكوخان حجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفساً فخلص الخليفة بهؤلاء المذكورين ، وأنزل الباقون عن مراكبهم ونهبت وقتلوا عن آخرهم ، وأحضر الخليفة بين يدي هلاكو فسأله عن أشياء كثيرة فيقال إنه اضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت ، ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خواجه نصير الدين الطوسي والوزير ابن العلقمي وغيرهما ، والخليفة تحت الحوطة والمصادرة ، فأحضر من دار الخلافة شيئاً كثيراً من الذهب والحلي والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة ، وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لايصالح الخليفة، وقال الوزير: متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عاماً أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك ، وحسَّنوا له قتل الخليفة ، فلما عاد الخليفة إلى السلطان هولاكو أمر بقتله) . انتهى.
أقول: لاحظ تناقضهم حيث اعترفوا بفساد خليفتهم وبطانته وجبنهم ، ثم أُصرُّوا على تغطية عوراته باتهام الوزير الشيعي رحمه الله بأنه سبب سقوط بغداد !
وما زال أتباعهم الى عصرنا خاصة الوهابية ، يطبِّلون بهذه الكذبة ضد نصير الدين الطوسي قدس سره الذي أخذه المغول أسيراً واستبقوه لأنه طبيب ، وضد الوزير محمد بن العلقمي رحمه الله الذي لم يكن تحت إمرته جندي واحد ، وكان يصرُخّ في آذان الخليفة قبل سنوات منذراً بالخطر ، ولا من مجيب !
فلماذا يرمون بذنوبهم من لاذنب له ، ولا يعترفون بأن الخليفة السكران وقائد جيشه الجبان هما اللذان أدارا الأزمة سنوات قبل وزارة ابن العلقمي ، وكان القرار بيدهما لا بيده ، وأنهما السبب في ذلك السقوط المهين للخلافة !
7- كان سلاطين الخلافة كلهم مثل الخليفة
تدل رواياتهم على أن المستنصر كان جباناً ، أما ولده المستعصم فكان جباناً ومدمناً للخمر ، وبخيلاً ، ومفرطاً في هواية جمع المال كقائد جيشه الدويدار !
وقد تقدم قوله عندما حذروه من غزو المغول إن بغداد تكفيه ولابد أنهم سيتركونها له ! وتقدمت شهادة المتعصب ابن كثير بأنه عندما قتلت سهام المغول راقصته قال كثفوا الستائر ، ستائر سور القصر ، أو قاعة الرقص !
قال الباحث السيد حسن الأمين في كتابه الإسماعيليون والمغول/130: ( ويذكر السائح البندقي ماركو بولو الذي مرَّ ببغداد بعد انقضاء الدولة الإيلخانية بقليل قصة كانت ذائعة في عهده، خلاصتها: أن هولاكو بعد أن قبض على الخليفة اكتشف بغرابة أن للخليفة برجاً مليئاً بالذهب ! فاستدعاه بين يديه وأنبه لجشعه وبخله اللذين منعاه من استخدام كنوزه في تكوين جيش يدافع به عن عاصمته ، التي كانت مهددة منذ مدة طويلة ، ثم أمر بحبسه في ذلك البرج بدون طعام حيث مات هناك بين كنوزه ! وكذلك فإن عبد الله بن فضل الله الشيرازي ذكر اختلاف الروايات في كيفية قتل الخليفة ، وإلى أن أحدها ذكر أن الخليفة منع عنه الطعام ، وعندما طلب شيئاً من الموكلين به الحراس وصل الخبر إلى هولاكو فأمر أن يقدم إليه طبق ملئ بالذهب ، فقال الخليفة وكيف يمكنني أكل الذهب؟! فصدر الأمر عن طريق المترجم أن يقال له: إذا كنت تعرف أن الذهب لا يؤكل ، فلماذا لم تفرقه على عسكرك وأعوانك لتفدي به نفسك والعدد الكبير من معاونيك ، فتحفظ بذلك ملكك؟! فلم يُحِر الخليفة جواباً ! والحقيقة أن هاتين الروايتين: رواية ماركو بولو ورواية الشيرازي تعودان في الأصل إلى حقيقة واقعة هي أن هولاكو بعد أن دخل بغداد أحضر الخليفة وطلب إليه إحضار كنوزه فأحضر إليه بعض الأموال والجواهر ، فرفضها هولاكو وقال له: أذكر ما تملكه من الدفائن ما هي وأين توجد؟ فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء من الذهب في ساحة القصر ، فحفروا الأرض حتى وجدوه ، وكان مليئاً بالذهب الأحمر ، وكله سبائك تزن الواحدة مائة مثقال) ! انتهى.
إن وجود المستنصر والدويدار والسلطان محمد خوارزم على رأس هرم السلطة كان كافياً لانهيار نظام الخلافة ! لكنهم يبرؤونهم لمجرد أنهم سنيون ! ثم يتهمون غيرهم بأنهم كانوا سبب انهيار الدولة ، لمجرد أنهم شيعة !
إقرأ ما كتبه كبار علمائهم ومؤرخيهم عن سلطان سلاطين الخلافة محمد خوارزم المسمى كذباً (غياث الدين) فقد كان أفسد من خليفته ، لأنه مع فساده الأخلاقي سخيفٌ الى حد الجنون !
قال ابن العبري في تاريخ مختصر الدول/227: (وكان السلطان غياث الدين مقبلاً على المجون وشرب الشراب غير مرضي الطريقة ، منغمساً في الشهوات الموبقة ، تزوج ابنة ملك الكرج فشغفه حبها وهام بها إلى حد أن أراد تصويرها على الدراهم فأشير عليه أن يصور صورة أسد عليه شمس لينسب إلى طالعه ويحصل به الغرض ! وخلَّف غياث الدين ثلاثة بنين عز الدين وأمه رومية ابنة قسيس ، وركن الدين وأمه أيضاً رومية، وعلاء الدين وأمه الكرجية . فولي السلطنة عز الدين وهو الكبير وحلف له الأمراء وخُطب له على المنابر . وكان مدبره والأتابك له الأمير جلال الدين قرطاي رجل خير ديِّن صائم الدهر ممتنع عن أكل اللحم ومباشرة النساء ، لم ينم في فراش وطئ وإنما كان نومه على الصناديق في الخزانة ، أصله رومي وهو من مماليك السلطان علاء الدين وتربيته ، وكان له الحرمة الوافرة عند الخاص والعام).انتهى.
لكن ماذا ينفع سكرتير صالح مع سلطان فاسد من قرنه الى قدمه؟!
وقال ابن الأثير في الكامل:12/495: (وكان جلال الدين سئ السيرة قبيح التدبير لملكه ، لم يترك أحداً من الملوك المجاورين له إلا عاداه ونازعه الملك وأساء مجاورته ، فمن ذلك أنه أول ما ظهر في أصفهان وجمع العساكر قصد خوزستان فحصر مدينة ششتر وهي للخليفة فحصرها ! وسار إلى دقوقا فنهبها وقتل فيها فأكثر وهي للخليفة أيضاً ، ثم ملك آذربيجان وهي لأوزبك فملكها ، وقصد الكرج وهزمهم وعاداهم ، ثم عادى الملك الأشرف صاحب خلاط ، ثم عادى علاء الدين صاحب بلاد الروم، وعادى الإسماعيلية ونهب بلادهم وقتل فيهم فأكثر وقرر عليهم وظيفة من المال كل سنة، وكذلك غيرهم . فكل الملوك تخلى عنه ولم يأخذ بيده...وانضاف إلى ذلك أن عسكره اختلفوا عليه وخرج وزيره عن طاعته في طائفة كثيرة من العسكر . وكان السبب أن ظهر من قلة عقل جلال الدين ما لم يسمع بمثله ! وذلك أنه كان له خادم خصي وكان جلال الدين يهواه واسمه قلج ، فاتفق أن الخادم مات فأظهر من الهلع والجزع عليه ما لم يسمع بمثله ولا لمجنون ليلى ! وأمر الجند والأمراء أن يمشوا في جنازته رَجَّالة ، وكان موته بموضع بينه وبين تبريز عدة فراسخ فمشى الناس رَجَّالة ومشى بعض الطريق راجلاً فألزمه أمراؤه ووزيره بالركوب ، فلما وصل إلى تبريز أرسل إلى أهل البلد فأمرهم بالخروج عن البلد لتلقي تابوت الخادم ففعلوا فأنكر عليهم حيث لم يبعدوا ولم يظهروا من الحزن والبكاء أكثر مما فعلوا ، وأراد معاقبتهم على ذلك فشفع فيهم أمراؤه فتركهم ! ثم لم يدفن ذلك الخصي وإنما كان يستصحبه معه أينما سار وهو يلطم ويبكي فامتنع من الأكل والشراب ! وكان إذا قدم له قدم له طعام يقول إحملوا من هذا إلى قلج ولا يتجاسر أحد يقول إنه مات ، فإنه قيل له مرة إنه مات فقتل القائل له ذلك! إنما كانوا يحملون اليه الطعام ويعودون يقولون إنه يقبل الأرض ويقول إنني أصلح مما كنت! فلحق أمراءه من الغيظ والأنفة من هذه الحالة ما حملهم على مفارقة طاعته والإنحياز عنه مع وزيره ، فبقي حيران لا يدري ما يصنع لاسيما لما خرج التتر فحينئذ دفن الغلام الخصي ، وراسل الوزير واستماله وخدعه إلى أن حضر عنده ، فلما وصل اليه بقي أياماً وقتله جلال الدين ! وهذه نادرة غريبة لم يسمع بمثلها). انتهى.
ثم تحدث ابن الأثير المعاصر لغزو المغول عن الوضع المزري للسلاطين الحكام ومدى فسادهم وجبنهم ، قال في الكامل:12/374: (وصلوا(المغول)إلى تبريز وبها صاحب أذربيجان أوزبك بن البهلوان ، فلم يخرج إليهم ولا حدَّث نفسه بقتالهم لانشغاله بما هو بصدده من إدمان الشرب ليلاً ونهاراً لا يُفيق ! وإنما أرسل إليهم وصالحهم على مال وثياب ودواب وحمل الجميع إليهم ، فساروا من عنده يريدون ساحل البحر، لأنه يكون قليل البرد ليشتُّوا عليه والمراعي به كثيرة) ! وقال في الكامل:12/502: (في أول هذه السنة أطاع أهل بلاد آذربيجان جميعها للتتر... وسبب طاعتهم أن جلال الدين لما انهزم من التتر وتفرقت عساكره وتمزقوا كل ممزق...وملوك الإسلام منحجرون في الأثقاب ! ولقد وقفت على كتاب وصل من تاجر من أهل الري كان قد انتقل إلى الموصل وأقام بها هو ورفقاء له ، ثم سافر إلى الري في العام الماضي قبل خروج التتر ، فلما وصل التتر إلى الري وأطاعهم أهلها وساروا إلى آذربيجان سار هو معهم إلى تبريز فكتب إلى أصحابه بالموصل يقول: إن الكافر لعنه الله ما نقدر أن نصفه ولا كثرة جموعه ، حتى لا تنقطع قلوب المسلمين فإن الأمر عظيم....وإن البلاد خالية من ملك وعساكر ، فقوي طمعهم وهم في الربيع يقصدونكم... فانظروا لأنفسكم . هذا مضمون الكتاب ، فإنا لله وإنا اليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
8- صنعوا من الدويدار الجبان بطلاً لأنه عدو للشيعة !
أنظر كيف ترجم الذهبي للدويدار بإعجاب فقال في تاريخه:46/18: (وفيها كان عرس مجاهد الدين أيبك الدويدار الصغير على بنت بدر الدين صاحب الموصل وكان عرساً ما شُهد مثله ! وخلع عليه الخليفة وأعطاه ونوَّه باسمه ، ومشى في ركابه الأمراء ووزراء بألوية المُلك ، وأعطي أنواعاً كثيرة وتحفاً ، واستمرَّ دخوله إلى دار الخلافة في كل يوم ) . (ووهبه ليلة عرسه مائة ألف دينار ، وكان دخله في العام من ملكه وإقطاعه خمسمائة ألف دينار). (تاريخ الذهبي:47/443). وقال في سيره:23/371: (الدويدار الملك مقدم جيش العراق ، مجاهد الدين أيبك الدويدار الصغير ، أحد الأبطال المذكورين والشجعان الموصوفين! الذي كان يقول:لو مكنني أمير المؤمنين المستعصم لقهرت التتار ، ولشغلت هولاكو بنفسه! وكان مغرىً بالكيمياء له بيت كبير في داره فيها عدة من الصناع والفضلاء لعمل الكيمياء ولا تصح ، فحكى شيخنا محيي الدين بن النحاس قال: مضيت رسولاً فأراني الدويدار دار الكيمياء وحدثني قال: عارضني فقير وقال: يا ملك خذ هذا المثقال وألقه على عشرة آلاف مثقال يصير الكل ذهباً ففعلت فصح قوله ، ثم لقيته بعد مدة فقلت علمني الصنعة قال: لا أعرفها لكن رجلاً صالحاً أعطاني خمسة مثاقيل فأعطيتك مثقالاً ولملك الهند مثقالاً ولآخرين مثقالين وبقي لي مثقال أنفق منه ، ثم أراني الدويدار قطعة فولاذ قد أحميت وألقى عليها مغربي شيئاً فصار ما حمي منها ذهباً وباقيها فولاذ) !
وقال في تاريخه:48/281: (مقدم جيوش العراق كان بطلاً شجاعاً موصوفاً بالرأي والإقدام ، كان يقول: لو مكنني أمير المؤمنين لقهرت هولاكو). انتهى .
أقول: كانت قيادة جيش الخلافة كله بيد هذا القائد الغلام المدلل الذي أعطاه الخليفة لقب(الملك)وكان دخله الشخصي وحده كافياً لميزانية جيش !
لكنه بشهادتهم كان مترفاً همُّه جمع المال وتحويل الحديد الى ذهب ! وهو كاذبٌ في قوله إن درويشاً أعطاه مادة تحول الحديد الى ذهب، كما هو كاذبٌ في عنترياته بأن الخليفة لو مكنه لهزم هلاكو ! فماذا يريد من الخليفة السكران وهو بيده؟ومتى منعه من الدفاع؟ ولماذا هرب في زورق فقبضوه كالدجاجة !
قال السبكي في طبقات الشافعية:8/270: (وركب السلطان هولاكو إلى العراق وكان على مقدمته بايجو نوين وأقبلوا من جهة البر الغربي عن دجلة فخرج عسكر بغداد وعليهم ركن الدين الدويدار فالتقوا على نحو مرحلتين من بغداد وانكسر البغداديون وأخذتهم السيوف وغرق بعضهم في الماء وهرب الباقون) !!
هذا على رواية السبكي المفرط في تعصبه للخليفة وبطانته ، لكن غيره روى أن أحداً لم يخرج من بغداد لمقاومة المغول ، ولم تكن بينهم معركةٌ أبداً !
قال السيد الأمين في أعيان الشيعة:9/93:(ولما حمي وطيس الحرب في بغداد وضاق الحال على الأهالي أراد الدواتدار أن يركب سفينة وأن يهرب إلى ناحية المسيب ، ولكنه بعد أن اجتاز قرية العقاب أطلق جند بوقا تيمور حجارة المنجنيق والسهام وقوارير النفط واستولوا على ثلاث سفن وأهلكوا من فيها ، وعاد الدواتدار منهزماً ! فلما وقف الخليفة على تلك الحال يئس نهائياً من الإحتفاظ ببغداد ولم يرَ أمامه مفراَ ولا مهرباَ قط فقال: سأستسلم وأطيع ! ثم أرسل فخر الدين الدامغاني وابن الدرنوش مع قليل من التحف إلى هولاكو زاعماً أنه لو بعث بالكثير لكان ذلك دليلاً على خوفه فيتجرأ العود ! فلم يلتفت هولاكو إلى هذه الهدايا ، وعادا محرومين).
9- اخترعوا للخليفة السكران كرامات ومعاجز !
قال السبكي في طبقات الشافعية:8/270: (وأما الخليفة فقيل إنه طلبه ليلاً وسأله عن أشياء ثم أمر به ليقتل ، فقيل لهولاكو: إن هذا إن أهريق دمه تظلم الدنيا ويكون سبب خراب ديارك فإنه ابن عم رسول الله وخليفة الله في أرضه ! فقام الشيطان المبين الحكيم نصير الدين الطوسي وقال: يُقتل ولا يراقُ دمه ! وكان النصير من أشد الناس على المسلمين، فقيل إن الخليفة غُمَّ في بساط ، وقيل رفسوه حتى مات ، ولما جاءوا ليقتلوه صاح صيحة عظيمة). انتهى.
وهذا غاية كذبهم وافترائهم على المرجع الأسير نصير الدين الطوسي قدس سره! وقد قلد السبكي في ذلك ابن تيمية ! ثم أضاف من قصص الغلو والكذب:
(ولقد حكي أن الخليفة كان قاعداً يقرأ القرآن وقت الإحاطة بسور بغداد فرمى شخص من التتار بسهم فدخل من شرفات المكان الذي كان فيه وكانت واحدة من بناته ! بين يديه فأصابها السهم فوقعت ميتة ! ويقال كتب الدم على الأرض إذا أراد الله أمراً سلب ذوي العقول عقولهم! وإن الخليفة قرأ ذلك وبكى ! وإن هذا هو الحامل على أن أطاع الوزير في الخروج إليهم .
ولله ما فعلت زوجة أمير المؤمنين! قيل: إن هولاكو دعاها ليواقعها فشرعت تقدم له تحف الجواهر وأصناف النفائس تشغله عما يرومه ، فلما عرفت تصميمه على ما عزم عليه اتفقت مع جارية من جواريها على مكيدة تخيلتها وحيلة عقدتها فقالت لها: إذا نزعت ثيابك وأردت أن أقدك نصفين بهذا السيف فأظهري جزعاً عظيماً ، فأنا إذ ذاك أقول لك إفعلي أنت هذا بي ، فإن هذا سيف من ذخائر أمير المؤمنين وهو لا يؤثر إذا ضُرب به ولا يجرح شيئاً ، فإذا أنت ضربتيني فليكن الضرب بكل قواك على نفس المقتل ! ثم جاءت إلى هولاكو وقالت: هذا سيف الخليفة وله خصوصية وهي أنه يضرب به الرجل فلا يجرحه إلا إذا كان الضارب الخليفة ! ثم دعت الجارية وقالت أجرب بين يدي السلطان فيها فلما عاينت الجارية السيف مصلتاً والضرب آتياً صاحت صيحة عظيمة وأظهرت الجزع شديداً ، فقالت السيدة رضي الله عنها: ويلك أما علمت أنه سيف أمير المؤمنين ؟ مالك أتخشينه أما تعرفينه؟! خذيه واضربيني به فأخذته فضربتها به فقدتها نصفين ! وماتت وما ألمت بعار ، ولا جعلت فراش ابن عم رسول الله فراشاً للكفار! فتحسر هولاكو وعلم أنها مكيدة! وقد رأيت مثل الحكاية جرى في الزمن الماضي لبعض الصالحات راودها عن نفسها بعض الفاجرين)! انتهى.
أقول: إن أمثال هذه التلفيقات تجعلنا نشك في سبب وضعهم لها ! فقد يكون السبب أن إحدى زوجات الخليفة أو جواريه كان سلوكها بالعكس تماماً !
10- من رواياتهم المعقولة في استسلام بغداد
منها رواية تاريخ مختصر الدول/242 ، قال: (وأمر هولاكو أن يخرج إليه الدويدار وسليمان شاه ، وأما الخليفة إن اختار الخروج فليخرج وإلا فليلزم مكانه ! فخرج الدويدار وسليمان شاه ومعهما جماعة من الأكابر، ثم عاد الدويدار من الطريق بحجة أنه يرجع ويمنع المقاتلين الكامنين بالدروب والأزقة لئلا يقتلوا أحداً من المغول! فرجع وخرج من الغد وقتل ، وعامة أهل بغداد أرسلوا شرف الدين المراغي وشهاب الدين الزنكاني ، ليأخذا لهم الأمان . ولما رأى الخليفة أن لا بد من الخروج أراد أو لم يرد ، استأذن هولاكو بأن يحضر بين يديه فأذن له ! وخرج رابع صفر ومعه أولاده وأهله ، فتقدم هولاكو أن ينزلوه بباب كلواذ وشرع العساكر في نهب بغداد ، ودخل بنفسه إلى بغداد ليشاهد دار الخليفة ، وتقدم بإحضار الخليفة فأحضروه ومَثُل بين يديه وقدم جواهر نفيسة ولآلئ ودرراً معبأة في أطباق ، ففرق هولاكو جميعها على الأمراء، وعند المساء خرج إلى منزله وأمر الخليفة أن يفرز جميع النساء التي باشرهن هو وبنوه ويعزلهن عن غيرهن ففعل فكنَّ سبعمائة امرأة ، فأخرجهن ومعهن ثلاثمائة خادم خصي! وبقي النهب يعمل إلى سبعة أيام ثم رفعوا السيف وأبطلوا السبي).انتهى.
ومثله في المعقولية والوثاقة رواية الآداب السلطانية لابن الطقطقي/231، قال: (وفي آخر أيامه(الخليفة)قويت الأراجيف بوصول عسكر المغول صحبة السلطان هولاكو فلم يحرك ذلك منه عزماً ولا نبَّه منه همَّةً ولا أحدث عنده هماً ! وكان كلما سمع عن السلطان(هولاكو)من الإحتياط والإستعداد شئ ، ظهر من الخليفة نقيضه من التفريط والإهمال ، ولم يكن يتصور حقيقة الحال في ذلك ، ولا يعرف هذه الدولة يسر الله إحسانها وأعلى شانها حق المعرفة . وكان وزيره مؤيد الدين بن العلقمي يعرف حقيقة الحال في ذلك ويكاتبه بالتحذير والتنبيه ويشير عليه بالتيقظ والإحتياط والإستعداد ، وهو لايزداد إلا غفولاً ، وكان خواصه يوهمونه أنه ليس في هذا كبير خطر ولا هناك محذور ، وأن الوزير إنما يعظم هذا لينفق سوقه ، ولتبرز إليه الأموال ليجند بها العساكر فيقتطع منها لنفسه ! وما زالت غفلة الخليفة تنمو ويقظة الجانب الآخر تتضاعف حتى وصل العسكر السلطاني إلى همذان وأقام بها مدة مديدة .
ثم تواترت الرسل السلطانية إلى الديوان المستعصمي فوقع التعيين من ديوان الخليفة على ولد أستاذ الدار وهو شرف الدين عبد الله بن الجوزي ، فبعثه رسولاً إلى خدمة الدركاه السلطانية بهمذان ، فلما وصل وسمع جوابه علم(هولاكو)أنه جواب مغالطة ومدافعة فحينئذ وقع الشروع في قصد بغداد وبث العساكر إليها فتوجه عسكر كثيف من المغول والمقدم عليهم باجو إلى تكريت ، ليعبروا من هناك إلى الجانب الغربي ويقصدوا بغداد من غربيها ، ويقصدها العسكر السلطاني من شرقيها ، فلما عبر عسكر باجو من تكريت وانحدر إلى أعمال بغداد أجفل الناس من دجيل والإسحاقي ونهر ملك ونهر عيسى ، ودخلوا إلى المدينة بنسائهم وأولادهم ، حتى كان الرجل أو المرأة يقذف بنفسه في الماء ، وكان الملاح إذا عبر أحداً في سفينة من جانب إلى جانب يأخذ أجرته سواراً من ذهب أو طرازاً من زركش ، أو عدة من الدنانير !
فلما وصل العسكر السلطاني(هولاكو)إلى دجيل وهو يزيد على ثلاثين ألف فارس خرج إليه عسكر الخليفة صحبة مقدم الجيوش مجاهد الدين أيبك الدويدار ، وكان عسكراً في غاية القلة فالتقوا بالجانب الغربي من بغداد قريباً من البلد فكانت الغلبة في أول الأمر لعسكر الخليفة ، ثم كانت الكرة للعسكر السلطاني فأبادوهم قتلاً وأسراً وأعانهم على ذلك نهر فتحوه في طول الليل ، فكثرت الوحول في طريق المنهزمين فلم ينج منهم إلا من رمى نفسه في الماء ، أو من دخل البرية ومضى على وجهه إلى الشام ! ونجا الدويدار في جمعية من عسكره ووصل إلى بغداد . وساق باجو حتى دخل البلد من جانبه الغربي ووقف بعساكره محاذي التاج ، وجاست عساكره خلال الديار(دون مقاومة) وأقام محاذي التاج أياماً .
في يوم الخميس رابع محرم من سنة ست وخمسين وستمائة ، ثارت غبرة عظيمة شرقي بغداد على درب بعقوبا بحيث عمت البلد ، فانزعج الناس من ذلك وصعدوا إلى أعالي السطوح والمناير يتشوفون ، فانكشفت الغبرة عن عساكر السلطان وخيوله ولفيفه وكراعه وقد طبق وجه الأرض وأحاط ببغداد من جميع جهاتها ، ثم شرعوا في استعمال أسباب الحصار ، وشرع العسكر الخليفي في المدافعة والمقاومة(لايصح) إلى اليوم التاسع عشر من محرم . فلم يشعر الناس إلا ورايات المغول ظاهرة على سور بغداد من برج يسمى برج العجمي من ناحية باب من أبواب بغداد يقال له باب كلواذى ، وكان هذا البرج أقصر أبراج السور وتقحَّمَ العسكر السلطاني هجوماً ودخولاً(بلا مقاومة) فجرى من القتل الذريع والنهب العظيم والتمثيل البليغ ما يعظم سماعه جملة ، فما الظن بتفاصيله:
وكان ما كان مما لستُ أذكره فظُنَّ ظناً ولا تسأل عن الخبرِ !
وأمر السلطان بخروج الخليفة وولده ونسائه إليه ، فخرجوا فحضر الخليفة بين يدي الدركاه، فيقال إنه عوتب ووُبِّخ بما معناه نسبة العجز والتفريط والغفول إليه!ثم أُوصل إلى اليأس هو وولداه الأكبر والأوسط ، وأما بناته فأُسرن ، ثم استشهد المستعصم في رابع صفر سنة ست وخمسين وستمائة). وقال العصامي في سمت النجوم/1212: (وفي رواية: أن خروج الخليفة المستعصم إليه كان قبل وقوع شئ من القتال). انتهى.
وهو المنسجم مع انهيار الناس عامة ، وانهيار الخليفة وبطانته المترفة بشكل خاص !
11- أخفوا أدوار بطانة الخليفة شركاء قائد الجيش !
تغاضى ابن تيمية والذهبي وبقية أعداء الشيعة عن كل ما ارتكبه الخليفته (المستعصم بلهوه) وقائد جيشه الدويدار وسلاطين البلاد ! والسبب أنه متعصب ضد الشيعة مثله ، ولعل الدويدار شركسي كالذهبي فأخذته له عصبة الدم ! فالذهبي هو ابن قايماز المصري التركماني، ولم أجد نصاً في الدويدار، لكن وجدت في الدويدار المصري أنه: (قدم به خواجا محمود من بلاد الجاركس في جملة مماليك إلى ثغر الإسكندرية).(المنهل الصافي لابن تغري الشركسي/839 ) .
كما غيَّبوا أدوار بقية بطانة الخليفة (الكبار) وكلهم سنة متعصبون مثلهم ، وأعداءٌ للشيعة وللوزير ابن العلقمي رحمه الله! ومنهم أحمد بن الخليفة ، الذي كان بطل مجزرة الكرخ حيث قاد جيش الخلافة مع الدويدار وهاجموا أحياء الشيعة في بغداد (فنهبوا الكرخ ، وهتكوا النساء ، وركبوا منهن الفواحش) ! (أبو الفداء/833، وعقد الجمان للعيني/79).
وهما اللذان قاما بحركة انقلاب وأرادا قتل الخليفة ليأخذ الخلافة أحمد: ( فهاشت العامة وعظم الأمر وقتل جماعة كثيرة وجرح خلق) ! (تاريخ الذهبي:48/24) .
ومنهم أحمد بن الدامغاني صاحب الديوان ، الذي اختاره هولاكو ليكون صاحب ديوانه ! (تاريخ الإسلام:48/260) . وابن بهرام: (الحاجب الأوحد شمس الدين الخالدي البغدادي وأباه مشرف عرض الجيوش في دولة المستعصم). (تاريخ الإسلام:52/223).
وصدر الدين بن النيار شيخ الشيوخ في بغداد ، وأخوه عز الدين وكيل أولاد المستعصم ! (الوافي:13/29). (ومحي الدين بن الجوزي الصاحب العلامة سفير الخلافة التيمي البكري البغدادي الحنبلي أستاذ دار المستعصم).(عبر للذهبي:5/237). (وقد أرسله المستعصم إلى خراسان إلى هولاكو) . (سير الذهبي:23/374).
وقد أورد في أعيان الشيعة:9/87 ، حقائق مفحمة لهم من مختصر تاريخ الدول لابن العبري ، وجامع التواريخ لرشيد الدين الهمداني ، وتاريخ ابن الطقطقي .
12- لماذا لم يتهموا شخصيات سنية كانت مع المغول؟
كان التتار مجاورين للمسلمين في شرق خراسان ، وكانت لهم علاقات تجارية وقبلية معهم ، ولملوكهم علاقات مع شخصيات سنية عديدة ، وقد كان مع جنكيز في حملته الأولى سنة617، ومع هولاكو في حملتهم الثانية شخصيات منهم قبل أن يقع نصير الدين الطوسي قدس سره في قبضته . فقد رووا أنه كان معه محمد الجويني واستأذن هلاكو أن يأخذ كتب وآلات رصد من مكتبة قلعة ألَمُوت ! فلماذا يتهمون نصير الدين قدس سره وينسون هؤلاء؟!
بل منهم من أرسله جنكيز الى سلطان خراسان طالباً منه التسليم ! قال الذهبي في تاريخه:44/22: (وفيها(516)عاد السلطان خوارزم شاه محمد إلى نيسابور ، وأقام بها مدة وقد بلغه أن التتار خذلهم الله تعالى قاصدون مملكة ما وراء النهر ، وجاءه من جنكس خان رسل: وهم محمود الخوارزمي وخواجا علي البخاري ومعهم من طُرَفٌ هدايا الترك من المسك وغيره). انتهى.
وقال الأمين في: الإسماعيليون والمغول/75: (وكان فيمن أخلص لجنكيز في هذا الصراع ثلاثة رجال مسلمين هم: جعفر خوجا الذي يقال أن جنكيز متزوجاً أخته ، وحسن ، ودانشمند الحاجب ، وكان هذان الإثنان مع جنكيز في هجومه على خوارزم وأدَّيا له خدمات جليلة لاسيما في مفاوضاته مع أهل البلاد المفتوحة . وقد عاش دانشمند25سنة بعد جنكيز ، وكان مؤدباً لأحد أحفاد جنكيز ابن ابنه أوكتاي بن جنكيز . وهؤلاء المسلمون وأمثالهم جاءوا في الأصل إلى تلك البلاد تجاراً ، وكان التجار المسلمون القادمون من الغرب هم الذين يتولون التجارة مع منغوليا والصين .
وكان ممن عمل مع جنكيز قبل الهجوم على خوارزم ، محمد يلواج الذي أرسله جنكيز رسولاً إلى محمد خوارزم شاه واتخذ منه جنكيز وزيراً ومستشاراً ، وبعد إستيلاء جنكيز على ما وراء النهر جعله حاكماً عليها ، حيث قام بإعمار ما خربه المغول وأدار البلاد إدارة صحيحة أحسنت إلى الناس .
وممن عملوا مع جنكيز خان: فخر الدين محمود بن محمد الخوارزمي الذي يقول عنه ابن الفوطي: كان من أعيان وزراء جنكيز خان وعليه مدار الملك في المشرق ، وإليه تدبير ممالك تركستان وبلاد الخطا وما وراء النهر وخوارزم . وكان مع ذلك الذكاء كاتباً سديداً يكتب بالمغولية والخوارزمية والتركية والفارسية الخطائية(لهجة من لهجات تركستان)والهندية والعربية ، وكان غاية في الفهم والذكاء والمعرفة ، وبتدبيره الشديد انتظم للمغول ملكهم). انتهى.
أقول: والأعجب من ذلك أنهم سكتوا عن سنيين ذهبوا الى المغول وطلبوا منهم أن يأتوا ويحتلوا بلادهم؟! قال ابن خلدون:5/529: (واستقل منكوفان بالتخت ، وولَّى أولاد جفطاي عمه على ما وراء النهر إمضاء لوصية جنكزخان لأبيهم التي مات دونها ووفد عليه جماعة من أهل قزوين وبلاد الجبل يشكون ما نزل بهم من ضرر الإسماعيلية وفسادهم ، فجهز أخاه هلاكو لقتالهم واستئصال قلاعهم فمضى لذلك ، وحسَّن لأخيه منكوفان الإستيلاء على أعمال الخليفة فأذن له فيه). انتهى.
أقول: في اعتقادي أن المغول لايحتاجون الى سبب خارجي لاجتياح البلاد الإسلامية ، لكن أتباع الخلافة يصرون على سبب خارجي لإتهام الشيعة فأين هم من هذا الوفد الرسمي من قزوين وبلاد الجبل ، وكان معهم قاضي القضاة شمس الدين أو قبلهم ، في عاصمة منكوقاآن طالبين منه أن يحتل بلادهم ! فاستجاب لهم وأصدر أمره الى أخيه هولاكو، بشهادة ابن خلدون !
وقال السيد الأمين في الإسماعيليون والمغول/119: (ويقول الجوزجاني: (أنظر طبقات ناصري/413): إن شمس الدين هذا كان على اتصال بالمغول وكان إماماً وعالماً كبيراً ، ذهب مرة إلى منكو خان وطلب مه أن يضع حداً لشر الملاحدة ويخلص الناس من فسادهم . ويقول الجوزجاني أيضاً: إن كلمات هذا القاضي كان لها أثر عميق في نفس منكوخان إذ نسب إليه الضعف والعجز لأنه لم يستطع أن يستأصل شأفة هذه الطائفة التي تدين بدين يخالف ديانات المسيحيين والمسلمين والمغول ، وما ذلك إلا لأنهم(الإسماعيلية)ستطاعوا أن يغروا منكو خان بالمال بينما هم يتحينون فرصة ضعف دولته فيخرجون من الجبال والقلاع ليقضوا على البقية الباقية من المسلمين ، ويعفوا آثارهم) ! انتهى.
فلماذا لم يتهموا هؤلاء الشخصيات السنية الذين جاؤوا من قزوين وبلاد الجبل الى طاغية المغول يحثونه على غزو بلاد المسلمين بحجة الإسماعيلية ، وقد كانوا وفداً سنياً برئاسة قاضي القضاة ؟!
ومنهم من اعتمد عليهم جنكيز وهولاكو فجعلاهم حكاماً في بلاد المحتلة !
ففي النجوم الزاهرة:7/16: (وأما ملوك الشرق فسلطان ما وراء النهر وخوارزم: السلطان ركن الدين وأخوه عز الدين ، والبلاد بينهما مناصفة وهما في طاعة هولاكو ملك التتار) . وفي تاريخ مختصر الدول/237: (وفيها سيَّر السلطان عز الدين رسولاً إلى خدمة هولاكو شاكياً على بايجو نوين أنه أزاحه عن ملكه ، فأمر هولاكو أن يتقاسما الممالك هو وأخوه ركن الدين). وفي النهاية:13/236: (وكان رحيل السلطان المسلط هولاكو خان عن بغداد في جمادى الأولى من هذه السنة إلى مقر ملكه ، وفوض أمر بغداد إلى الأمير علي بهادر فوض إليه الشحنكية بها ) .
وفي أعيان الشيعة:9/95 ، عن جامع التواريخ:1/262: (وفي نفس اليوم الذي قتلوا فيه الخليفة أرسلوا إليها مؤيد الدين ابن العلقمي ليقوم بالوزارة وفخر الدين الدامغاني ليكون صاحب الديوان ، وجعلوا علي بهادر شحنة لها ، وعينوا المحتسبين لمراقبة المقاييس والأوزان ونصبوا عماد الدين عمر القزويني نائباً للأمير قراتاي، وهو الذي عمَّر مسجد الخليفة ومشهد موسى والجواد صلى الله عليه وآله. وكذلك نصب نجم الدين أبو جعفر أحمد بن عمران الملقب براست دل المخلص ، والياً على أعمال شرقي بغداد مثل طريق خراسان والخالص والبندنيجين . وأمر هولاكو بأن يكون نظام الدين عبد المنعم البندنيجي قاضياً للقضاة) .
وفي كتاب الإسماعيليون والمغول/286: (رأينا فيما تقدم أسماء ثلاثة أشخاص عينهم هولاكو على رأس الحكم فور سقوط الحكم السابق، لإدارة العراق بأيد عراقية وهم مؤيد الدين بن العلقمي وعلي بهادر وفخر الدين الدامغاني والقاضي عبد المنعم البندنيجي... ويمكننا القول إن أول حاكم فعلي حكم العراق بعد سقوط بغداد مباشرة هو عماد الدين عمر بن محمد القضوي القزويني). وقال في هامشه: (بعد أن استقر الأمر لهولاكو عين للإشراف العام على إدارة البلاد التي أخضعها كلاً من ابنه الأكبر أبقا على العراق وخراسان ومازندران حتى نهر جيحون ، وابنه يسموت على أران وآذربيجان ، والأمير تودان على ديار بكر وديار ربيعة حتى شاطئ الفرات ، ومعين الدين بروانه على آسيا الصغرى ، والملك صدر الدين على تبريز ، والأمير أنكيانو على فارس ، وفوض منصب صاحب ديوان البلاد كلها لشمس الدين الجويني وأطلق يده في كل الأمور . وفوض حكم بغداد إلى أخيه علاء الدين عطا ملك ).
ومنهم حكام من أسرة صلاح الدين بايعوا المغول وقاتلوا معهم !
ففي كتاب الإسماعيليون والمغول/121:(على أن الأمر لم يقف عند هذا الحد فبعد احتلال هولاكو لبغداد وزحفه إلى بلاد الشام انضم إليه من انضم من ملوك المسلمين وساروا معه لقتال إخوانهم المسلمين ومعاونته في فتح بلادهم ! نذكر منهم الملك السعيد ابن الملك العزيز بن الملك العادل أخي صلاح الدين الأيوبي ! الذي سلَّم لهولاكو الصبيبة (قلعة على جبل شاهق تطل على بانياس)وانضم إليه في زحفه . ويقول عن ذلك أبو الفداء في تاريخه:3/204: وسار الملك السعيد معهم وأعلن الفسق والفجور وسفك دماء المسلمين... وكان معهم أيضاً في هذه المعركة الملك الأشرف موسى صاحب حمص الذي استطاع الفرار عند حصول الهزيمة فلم يؤسر ، وهو من أحفاد شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي ، وممن حرضوا المغول على غزو الشام ومصر الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل بن الكامل بن العادل شقيق صلاح الدين الأيوبي... قبض عليه الظاهر بيبرس وأحضر الفقهاء والقضاة وأوقفهم على مكاتبات من التتر إلى المغيث أجوبة عما كتب إليهم في إطماعهم في ملك مصر والشام ، كما نص على ذلك أبو الفداء:3/217، وبصيرة ابن تيمية المغشاة بعصبيته لا ترى شيئاً من هذا ! ونحن هنا نسأل ابن تيمية ومن لف لفه وما أكثرهم: ماذا كنتم ستفعلون لو أن ملكاً شيعياً هو الذي سلم(الصبيبة)لهولاكو وانضم إلى جيشه؟! وماذا كنتم ستفعلون لو أن ملكاً شيعياً أو أي شخص شيعي كان يقاتل مع المغول في معركة عين جالوت؟ لقد انضم ملوككم إلى المغول وحاربوا المسلمين وكسبوا الخزي فتجاهلتم ذلك ورحتم تتهمون الأبرياء الشرفاء... !
لم يبصر ابن تيمية وفود الخيانة متزاحمة على أبواب هولاكو ، ملوكاً وسلاطين وصدوراً وأعياناً ، بل أبصر نصير الدين الطوسي وحده ، لأنه عندما كان يكتب.... كانت بصيرته مغشاة بعصبيته فانحجبت عنها الحقائق وتجلت الأباطيل...لأنه يريد بأية وسيلة أن ينال ممن يكرههم ، يكرههم لا لشئ يستدعي الكره ، بل لأنهم لا يرون رأيه في كل شئ ، وكل من لا يرى رأيه فهو مكروه منه ! بل هو حلال الدم حلال الكرامة حلال الإستباحة ! الإستباحة بالسيف أو الإستباحة بالقلم ! وبهذا الإستحلال بفتاوى ابن تيمية سفكت دماء المسلمين في كسروان بلبنان ، وكادت تسفك دماء المسلمين في بعلبك والهرمل،ودماء المسلمين في جبل عامل، لولا أنهم لم يؤخذوا على حين غرة...وبهذا الإستحلال استبيحت سمعة نصير الدين الطوسي)!
أقول: يطول الكلام لو أردنا سرد أتباع المذاهب السنية الذين تعاونوا مع المغول خوفاً أو طمعاً أو خيانة ، أو استعانة بهم على خصومهم من مذهب آخر ، وحتى من مذهبهم ! فقد سجل ابن أبي الحديد في شرح النهج:8/237: (ولم يبق لهم إلا أصبهان فإنهم (المغول) نزلوا عليها مراراً في سنة627وحاربهم أهلها وقتل من الفريقين مقتلة عظيمة ولم يبلغوا منها غرضاً ، حتى اختلف أهل أصبهان في سنة633، وهم طائفتان حنفية وشافعية وبينهم حروب متصلة وعصبية ظاهرة ! فخرج قوم من أصحاب الشافعي إلى من يجاورهم ويتاخمهم من ممالك التتار فقالوا لهم: أقصدوا البلد حتى نسلمه إليكم ! فنقل ذلك إلى قاآن بن جنكيز خان بعد وفاة أبيه والملك يومئذ منوط بتدبيره فأرسل جيوشاً من المدينة المستجدة التي بنوها وسموها قرا حرم ، فعبرت جيحون مغربة وانضم إليها قوم ممن أرسله جرماغون على هيئة المدد لهم، فنزلوا أصفهان في سنة633 المذكورة وحصروها ، فاختلف سيفا الشافعية والحنفية في المدينة حتى قتل كثير منهم، وفتحت أبواب المدينة فتحها الشافعية على عهد بينهم وبين التتار أن يقتلوا الحنفية ويعفوا عن الشافعية !
فلما دخلوا البلد بدؤوا بالشافعية فقتلوهم قتلاً ذريعاً ولم يفوا مع العهد الذي عهدوه لهم ، ثم قتلوا الحنفية ثم قتلوا سائر الناس ) ! انتهى.
أقول: كان هذا العمل من السنة المتعصبين الشوافع، سنة633، أي قبل حملة هولاكو على بغداد بأكثر من عشرين سنة ! فأين كان العلقمي والطوسي؟!
واتهموا الخليفة الناصر العباسي لأنه شيعي !
من عجائب تعصبات أتباع الخلافة ماذكره أبو الفداء في تاريخه/759 ، في ترجمة الخليفة الناصر العباسي المتوفى622، قال: ( ويقال إنه هو الذي كاتب التتر وأطمعهم في البلاد ، لما كان بينه وبين خوارزم شاه من العداوة ، أملاً بأن يشغله بهم عن الزحف إلى العراق).انتهى. وهذا يدلنا على أن صراع مراكز القوى في دولة الخلافة كان سبباً أساسياً في تطميع المغول بغزو بلاد المسلمين . وإن كنا نرجح أن تهمتهم للخليفة الناصر رحمه الله سببها تشيعه وتعصبهم لخصمه السني المتعصب خوارزم شاه ، لأن خطر المغول لم يكن فعلياً في عصر الناصر !
13- من أدلتهم الواهية أن هولاكو لم يقتل ابن العلقمي رحمه الله
يثير هذا التساؤل المتعصبون ضد الشيعة ! وجوابه: أن هولاكو أبقى الكثيرين من السياسيين والشخصيات في كل بلد احتله ، واستفاد من كثير منهم .
وقد رووا هم أن هولاكو لما حاصر بغداد طلب الخليفة ووزيره ابن العلقمي وقائد جيشه الدويدار والقائد السلجوقي سليمان شاه ، فخاف الخليفة وأرسل وزيره ابن العلقمي وعدداً من الشخصيات ليفاوضوا هولاكو ، لكن بعد فوات الأوان ! وكان مع ابن العلقمي علمان سنيان: فخر الدين أحمد بن الدامغاني وتاج الدين علي بن الدوامي ، وأخبر هلاكو بواقع الأمر وأن رأيه كان من الأول أن يسلم الخليفة لهولاكو بالسلطنة كما سلم لأسلافه السلاجقة والخوارزمية لكنهم لم يسمعوا كلامه، واستشهد على كلامه باللذيْن معه وطلب الأمان لنفسه ولهما فأعطاهم هلاكو الأمان ثم أرسلهم لإحضار الخليفة بنفسه..الخ.(أعيان الشيعة:9/95، وذكر ثوثق ابن العلقمي من هلاكو: أبوالفداء/833 ، ومآثر الإنافة:2/91) .
وأراد الذهبي أن يطعن في ابن العلقمي بأنه حسد الدامغاني السني ، فشهد بأن وزير بلاط الخليفة الدامغاني السني كان أقرب الى هولاكو من الوزير ابن العلقمي، قال في تاريخه:48/260:(إلى أن رفع السيف فأتينا دار فخر الدين أحمد بن الدامغاني صاحب الديوان ، وقد أراد ابن العلقمي أن يضره فقال لهولاكو: هذا يعرف أموال الخليفة وذخائره وأمواله وهذا كان يتولاها. فقال: إذا كان الخليفة اختاره لنفسه فأنا أولى أن أوليه . وكتب له الفرمان وقال للوزير:لاتفعل شيئاً إلا بموافقته).
قال السيد الأمين في كتابه الإسماعيليون والمغول/123: (وممن يتجاهل ابن تيمية جرائمهم ويتهم الأبرياء..كبار علماء هولاكو الذين وضعوا أنفسهم في تصرفه فعاونوه على سفك دماء المسلمين ، منهم أبو بكر فخر الدين عبد الله بن عبد الجليل القاضي المحدث الذي ذكر صاحب كتاب الحوادث الجامعة أنه كان يتولى إخراج الفقهاء البغداديين ليقتلوا في مخيم هولاكو ! وصاحب الحوادث الجامعة مؤرخ معاصر شهد الأحداث بنفسه، وأن الذي كان يَدْهَم بيوت فقهاء بغداد ويخرجهم منها ليسوقهم إلى هولاكو ليقتلهم هو القاضي المحدث الملقب ب‍(فخر الدين)! إن حامل هاتين الصفتين وهذا اللقب كان جلاد هولاكو الساعي بدماء الفقهاء العلماء إلى السفاك السفاح ، إنه يعرفهم واحداً واحداً لأنه منهم ويعرف مراتبهم ودرجاتهم ويعرف بيوتهم ومجالسهم فكان يسهل عليه انتقاؤهم وسحبهم لتهرق دماؤهم ! وابن تيمية يغمض عينيه عنه وعن أمثاله ، ولا يرى فيما فعلوه ما يستحق المؤاخذة) ! انتهى.
وقد روت كتب التاريخ أن بعض التجار والشخصيات أعطوا مبالغ للمغول لاستثناء بيوتهم من النهب والتخريب ، وبعض البيوت صدر الأمر بعدم التعرض لها ومنها بيت صاحب الديوان وبيت الحاجب وبيت ابن العلقمي ، فلعل السبب الأمان الذي أعطاه إياه هولاكو ، أو وساطة نصير الدين الطوسي قدس سره.
قال الذهبي في تاريخه:48/39: (وكان ببغداد عدة من التجار سلِموا لفرمانات والتجأ إليهم خلق ، وسلم مَن بدار ابن العلقمي ، ودار ابن الدامغاني صاحب الديوان ودار ابن الدوامي الحاجب ، وما عدا ذلك ما سلم إلا من اختفى في بئر أو قناة ، وأحرق معظم البلد ، وكانت القتلى في الطرق كالتلول ! ومن سلم وظهر خرجوا كالموتى من القبور خوفاً وجوعاً وبرداً . وسلم أهل الحلة والكوفة ، أمَّنهم القان وبعث إليهم شحاني . وسلمت البصرة وبعض واسط . ووقع البلاء فيمن تخلف).
وقال في أعيان الشيعة:9/86: (ومما نقلنا من الإخبار يظهر للقارئ أن الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي لم يكن السالم من القتل وحده حتى يتهم بالخيانة ذلك الإتهام الباطل، وإنما سلم معه ونال مرتبة في الدولة المغولية فخر الدين أحمد ابن الدامغاني الحنفي الذي كان صاحب الديوان في آخر أيام المستعصم ، وتاج الدين علي بن الدوامي الذي كان حاجب باب النوبي للمستعصم بالله ونجم الدين أحمد بن عمران الباجسري أحد عمال الخليفة والغالب على أهل باجسرى الحنبلية ، وأقضى القضاة عبد المنعم البندنيجي الشافعي ، وسراج الدين بن البجلي الشافعي ، وفخر الدين المبارك ابن المخرمي الحنبلي ، وعز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي ، والشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش الحنبلي المقرئ المشهور) . انتهى.
لكن وساطة نصير الدين وابن العلقمي لم تنفع في منع المغول من نهب ما أبقاه جيش الخليفة من أحياء الشيعة في الكرخ وغيرها، فلم يفرق هولاكو (في استباحته لبغداد بين السنيين والشيعيين بينما استثنى النصارى) ! (أعيان الشيعة:9/101).
وقد شهد بن تغري المتعصب في النجوم الزاهرة:7/50، أن التدمير شمل(الرافضة) كالسنة وأن (التتار يبذلون السيف مطلقاً في أهل السنة والرافضة معاً ، وراح مع الطائفتين أيضاً أمم لا يحصون كثرة).انتهى.كما لم يستطيعا منع المغول من إحراق مشهد الإمامين الكاظمين عليهما السلام فنهبوه وخربوه كجامع الخليفة !(أعيان الشيعة:9/96) .
14- وهابيون منصفون ألفوا في الدفاع عن ابن العلقمي
من المواضيع التي ما زال يثيرها الوهابيون ويركزون عليها ويكرورنها تبعاً لإمامهم ابن تيمية: أن الشيعة هم السبب في غزو المغول لبلاد المسلمين وإسقاط الخلافة الشرعية ! فقد كان وزير الخليفة محمد بن العلقمي رحمه الله شيعياً وكان عدواً لقائد الجيش وابن الخليفة ، وغاضباً من هجومهما على محلة الكرخ ومحلات الشيعة في بغداد قبل سنتين من غزو المغول ، فكاتب ابن العلقمي هولاكو وشجعه على غزو بغداد !
ويجيب الشيعة بأن ذلك كذبٌ وافتراءٌ من ابن تيمية ، فإن ابن العلقمي عالمٌ تقيٌّ منزهٌ عن ذلك ، بل عمل للدفاع عن بغداد فلم يسمعوا كلامه ، ثم عمل لتجنيب بغداد دخول المغول وتدميرهم ، فلم يسمعوا كلامه !
كما يجيب الشيعة بجواب أشد على الوهابيين يقول: لو سلمنا أن الشيعة كانوا السبب في سقوط الخلافة العباسية فقد أقام المسلمون بعدها خلافة أقوى منها وأوسع هي الخلافة العثمانية ، فجاء الوهابية وتآمروا عليها مع الإنكليز وحاربوها معهم سنين طويلة حتى أسقطوها ! فقد قاتل الوهابيون في الجزيرة جيش الخلافة المصري وقتلوا الحكام الشرعيين المنصوبين من الخليفة ! كل ذلك جنباً الى جنب مع الإنكليز ! بينما قاتل فقهاء الشيعة وعشائرهم في العراق الجيش الإنكليزي جنباً الى جنب مع جيش الخلافة ، واختلط دم شهدائهم بدم الأتراك، ودخل مجاهدوهم السجن مع ضباط الجيش العثماني وأعدموا جميعاً بيد الإنكليز !
كان الوهابيون وما زالوا يطمسون هذه الحقائق ويرفعون عقيرتهم في تهمة الشيعة وابن العلقمي قدس سره ونصير الدين الطوسي قدس سره بالخيانة، وأنهم سبب سقوط الدولة العباسية ! لكن في هذه السنوات الأخيرة ظهر منهم كتَّاب منصفون تجرؤوا رغم القمع التكفيري وجهروا ببراءة ابن العلقمي والطوسي .
من أولئك الباحث أ.د. سعد بن حذيفة الغامدي أستاذ التاريخ الإسلامي ودراساته الشرقية ، كلية الآداب قسم التاريخ جامعة الملك سعود ، في كتابه (سقوط الدولة العباسية ودور الشيعة بين الحقيقة والإتهام). وقد كتب لي الأخ هشام بن الحكم أنه يوجد بحث آخر للدكتور الهلابي ينفي فيه أسطورة عبدالله بن سبأ وفق المفهوم السلفي الأسطوري، وأن له سجالاً ثقافياً مع بعض مشايخ الوهابية في جريدة الرياض ، وهناك الشيخ حسن المالكي والمفكر ابراهيم البليهي، وغيرهم ممن تجرؤوا على تحدي القمع الوهابي والتعتيم الثقافي !
ولم أجد كتاب الدكتور الغامدي لكني وجدت غضبهم عليه ! فقد كتب سليمان بن صالح الخراشي في منتدى صيد الفوائد ، موضوعاً بعنوان: دكتور في جامعة الملك سعود يردد أكذوبة شيعية! جاء فيه:
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/mm/19.htm
(سقوط الدولة العباسية ودور الشيعة بين الحقيقة والإتهام) كتابٌ للأستاذ الدكتور سعد بن حذيفة الغامدي أحد منسوبي جامعة الملك سعود قسم التاريخ ، صدر قريبًا وكتب على طرته (دراسة جديدة لفترة حاسمة من تاريخ أمتنا)وهذا ما أغراني لاقتنائه منتظرًا ماسيجود به قلم الدكتور من جديد في هذه القضية ، إلا أنني تفاجأت عندما رأيته يردد ما ردده الشيعة الرافضة من تكذيب لأي خيانة لأسلافهم ، وهو ما تتابع عليه ثقات المؤرخين ، فهذا الجديد عنده !
يقول الدكتور محاولاً دفع تهمة الخيانة عن الرافضة:(ومع هذا فإن سؤالاً يتبادر إلى الذهن وهذا السؤال هو: هل كان هولاكو محتاجاً إلى مساعدة المسلمين الشيعة ضد المسلمين السنة حتى نقبل أنهم كانوا أحد العوامل التي أدت إلى سقوط بغداد؟ في الحقيقة لم يكن هولاكو محتاجاً إلى مساعدة من أي فرد شيعياً كان أم سنياً ، لذلك فإننا نجد كما يظهر لنا أنه من غير المحتمل إن لم يكن من المستحيل أن يكون لهذه الطائفة من المسلمين أي دور فعال ، سواء من داخل أو من خارج بغداد في هجوم المغول ضد العاصمة العباسية بغداد وخلافتها السنية !
يقول الدكتور/333: إن للمرء أن يقول بأن هذه الإتهامات لاأساس لها من الصحة؛ إذ لم تدعم أو تثبت بأي دليل قاطع ، يقوم أساساً على تقرير شاهد عيان معاصر؛ كما أنها لم تظهر هذه الإتهامات أو الشائعات بمعنى أدق إلا بعد سنوات طوال من بعد سقوط العاصمة بغداد ، وانقراض أسرتها الحاكمة العباسية !
جاءت هذه الإتهامات التي وجهت ضد أتباع المذاهب الشيعي عامة ووزير الخليفة المستعصم ابن العلقمي خاصة ، في جميع المراجع السنية تقريباً والتي تسنى لنا الرجوع إليها، والتي كتبها مؤرخونا أولئك الذين جاؤا فيما بعد . إذ نجد أن كل مؤرخ يأخذ عن المؤرخ الذي سبقه ثم يضيف كما سبقت الإشارة إلى هذه الحقيقة إلى ما نقله من سلفه، ثم إضافة كلام من عنده هو إشاعات أكثر منه حقيقة تاريخية ثابتة، ولكننا نجد أن هذه الإتهامات تظهر أيضاً في مؤلف لمؤرخ غير مسلم وهذا المؤرخ هو المكين بن العميد جرجس المسيحي الديانة ، حيث يقول بتآمر الوزير مع المغول ضد الخلافة العباسية ، وقد أخذ بعض مؤرخينا الحديثين رواية ابن العميد تلك على أنها دليل قاطع بلا ريب أو شك عندهم ، على أن الوزير مذنب ! كان ابن العميد مؤرخاً مسيحياً معاصراً عاش في مصر وكتب تاريخه باللغة العربية عن بني أيوب . ولكننا عندما نرجع إلى حقيقة ما قاله ابن العميد في هذا الشأن فإن المرء سيجد أن هذا المؤرخ لم يكن على علم بما وقع فعلاً وأنه لم يكن يروي في كتابته عن هذه المسألة إلا مجرد شائعات وأقاويل جارية لم يثبتها تقرير من شاهد عيان ، وفي هذا الخصوص يقول ابن العميد ما يلي: وقيل إن وزير بغداد كتب إلى هولاؤون(يعني بذلك هولاكو) بأن يصل إلى بغداد ويأخذ البلاد .
أما مؤرخو الشيعة الذين أثبتوا خيانة أسلافهم وافتخروا بها ! فإن الدكتور يجعلها مكتوبة بوازع من التعصب المتطرف الأعمى لإظهار الولاء للمذهب الشيعي بطريقة لاتقوم على أساس علمي لباحث عن الحقيقة، فأقدموا على إثبات دور ابن العلقمي التآمري بدافع من ذلك المنظار الضيق، فجعلوا من هذا الوزير بطلاً أسطورياً مخلصاً لدينه وإخوانه أتباع مذهبه ! والذي نراه صحيحاً في هذا الشأن ما يبدو لنا هو: أن المؤرخين الذين اتهموا الوزير العلقمي وعلى رأسهم الجوزجاني كانوا مؤرخين سنيين متطرفين ، فقد وجهوا إليه تلك التهم أصلاً بدافع من التعصب المذهبي تمليه حوافز عدوانية وعواطف تحاملية يكنُّونها تجاه هذا الوزير المسلم الشيعي المذهب!
لهذا فإن المرء ليقف عند روايات من هذا القبيل موقف الشك ، هذا إذا لم يرفضها رفضاً قاطعاً ، وأن ما أورده أولئك المؤرخون في تقاريرهم حول هذا الشأن لا يقوم على أساس علمي دقيق ومحقق . إن هذه الإتهامات التي وجهت ضد الوزير لم تكن من مؤرخين عراقيين معاصرين لتلك الأحداث في بغداد ، بل جاءت من مؤرخين من خارج الأراضي العراقية كالمؤرخ الفارسي الجوزجاني الذي كان يعيش في دهلي بالهند أيام سقوط العاصمة العباسية بغداد ،كما جاءت تلك الإتهامات في كتاب تراجم رجال القرنين السادس والسابع أو الذيل على الروضتين لأبي شامة الذي كان يعيش في أراضي الشام ، ربما كان في دمشق !
وفي الحقيقة لايوجد أي شاهد عيان يثبت أنه رأى ذلك الرسول المزعوم الذي أرسله الوزير ابن العلقمي لمقابلة القائد المغولي هولاكو ! كما أننا لم نعثر في مصادرنا على أية رواية يستنتج منها أنه ربما يمكن أن يكون هناك وثيقة تتعلق بهذا الأمر قد أخفيت بحيث تضع هذا الوزير العباسي في مركز قد يصبح فيه متهماً !
كان المؤرخ السوري أبو شامه الذي عاش في الشام ومات بها سنة665 هو أول مؤرخ عربي سني حسب معلوماتنا يذكر هذه الإدعاءات ضد الوزير وذلك في كتابه المعروف بتراجم رجال القرنين السادس والسابع ، أو الذيل على الروضتين ويظهر لنا أن أبا شامه لم يكن يعرف عن حقيقة ما كان يجري من أحداث في داخل بلاط الخليفة المستعصم ، بل لم يكن مطلعاً على إخبار القطر العراقي في جملته إذ لم يعرف إلا النـزر اليسير عن شؤون الدولة العباسية العامة فقط ، ثم إنه لم يكن لديه سوى فكرة عائمة يشوبها الغموض والتشويش وعدم الوضوح . إن حقيقة كون هولاكو أبقى على الوزير ابن العلقمي حياً وعينه كواحد من كبار موظفي المغول تبدو لنا أن المؤرخين المتهمين للوزير قد أوَّلُوها على أنها برهان قاطع على تآمره مع العدو ضد الدولة العباسية التي يحتل منها مكانة عليا . والذي يظهر لنا هو أن القائد المغولي قام بتعيين ابن العلقمي ليخدم في إدارة شؤون حكومة بغداد تحت نفوذ السلطة المغولية، لا لأنه كان قد سبق له وتعاون معهم ، أو لأنه حثهم على القدوم إلى بغداد وأخذها ومن ثم القضاء النهائي على حكومة العباسيين فيها).انتهى.
ولم يستطع الكاتب الخرَّاش أن يجيب على هذا الكلام العلمي، فلجأ الى كلام ناصر القفاري الذي نقل كلام ابن تيمية في اتهام ابن العلقمي وسبه !
وسبب غضبهم على مؤلف الكتاب أنه بإسقاطه كلام ابن أبي شامة يُسقط كلام إمامهم ابن تيمية لأنه اخذ منه اتهام الشيعة بأنهم السبب في غزو المغول !
هذا ، وتوجد دفاعات أخرى قوية عن ابن العلقمي رحمه الله والشيعة لايتسع المجال لإيرادها جميعاً ، ومنها: دفاع السيد الأمين في أعيان الشيعة:9/100 فقد رد التهمة عنه بوجوه عديدة، خلاصة السابع منها: أنه توجد عدة مصادر أصلية معاصرة لابن العلقمي وللحدث كذَّبت هذه التهمة وشهدت أنها من تدبير عدوه الدويدار ، كتاريخ ابن الطقطقي ، وتاريخ رشيد الدين ، وعبد الرحمن سنبط بن قنيتو الإربلي في كتابه الذهب المسبوك وهو عراقي معاصر للحدث ، وكذلك أبو الفرج بن العبري في كتابه تاريخ مختصر الدول ، وابن الفوطي البغدادي الحنبلي.. وكلهم معاصرون واسعوا الإطلاع على الأحداث ! فهذا يدل على أن التهمة من تدبير المتعصبين ضد ابن العلقمي والشيعة ! خاصة أن الدويدار دبر مع ابن الخليفة محاولة انقلاب على الخليفة فكشفها ابن العلقمي وأحبطها !
ويظهر لمن قرأ عن حالة بغداد بعد الغزو المغولي لخراسان سنة617 ، أن قصص وحشية المغول وتدميرهم وقتلهم العام للناس كانت تصل فتنشر الرعب وأن الشعور بالعجز عن مقاومة المغول كان مسيطراً على الخليفة وقائد جيشه الشرابي وبقية البطانة ، فسرى منهم الى ابنه المستعصم وقائد جيشه الدويدار! ثم سرى منهم الى الناس! وقد رأيت وصف المؤرخين لرعب الناس من فرقة جيش المغول التي اتجهت الى بغداد من جهة تكريت وأن الناس هربوا كالمجانين! (الآداب السلطانية/231). بل انتشر الرعب والإنهيار في السلطة والناس قبل عشرين سنة من سقوط لبغداد فترك الناس الحج خوفاً من المغول !
قال الذهبي في تاريخه:46/21: (ولم يحج أحد أيضاً في العام من العراق بسبب كسرة التتار لعسكر الخليفة وأخذ إربل في السنة الماضية). أي سنة635 قبل دخول المغول لبغداد بعشرين سنة ! وقال في:46/39 ، عن أحداث سنة637: (ولم يحج ركب العراق في هذه السنين للإهتمام بأمر التتار)! وشبيه به في النهاية:13/150، عن أهل الشام !
فالترف الذي انغمس فيه الخليفة وبطانته وجهازه الإداري ، سرى الى الناس فكان سبب هذا الإنهيار والرعب العام ، والناس على دين ملوكهم !
ولاشك في أن الظلم الذي شمل فئات واسعة من المسلمين ، والشيعة خاصة ، كان سبباً في نقمتهم على السلطة وزيادة ضعفها وانهيارها !
15- الحاكم الكافر العادل خيرٌ من المسلم الجائر
(لما فتح السلطان هولاكو بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة أمر أن يستفتى العلماء أيهما أفضل: السلطان الكافر العادل أم السلطان المسلم الجائر ؟ ثم جمع العلماء بالمستنصرية لذلك ، فلما وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب وكان رضيُّ الدين علي بن طاووس حاضراً هذا المجلس وكان مقدماً محترماً ، فلما رأى إحجامهم تناول الفتيا ووضع خطه فيها بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر ، فوضع الناس خطوطهم بعده). (الآداب السلطانية لابن الطقطقي/2).
أقول: هذه الفتوى قد تصدم شعور المسلم المثالي الذي يعيش أجواء النظرية دون التطبيق ، وينظر الى الشكل والإسم أكثر من المضمون والجوهر !
ولكي تُقنع هؤلاء الذين يحلِّقون في عالم النظرية ينبغي أن تحدثهم عن شئ من الواقع ليصححوا رؤيتهم ! والواقع هنا: أن الدين عندما تستعمله السلطة لمصادرة الحد الأدنى من حق الإنسان في حقه في العيش وحرية الإعتقاد والتعبير ، فلا يمكنك أن تطلب منه أن يعترف بشرعيتها ، أو يسكت على اضطهادها له ولا يقاوم . فالمشكلة مع سلطة كهذه متقدمةٌ رتبةً على الدين لأن الدين موضوعه الإنسان ، فإذا سحق الإنسان فقد سحق موضوع الدين !
إن علينا أن نعترف بأن تاريخ أمتنا ملئٌ بالإجبار والإكراه والإضطهاد ، وبأنا لانجد في تاريخنا أحداً يحترم الإنسان المسلم إلا النبي وآله صلى الله عليه وآله ولهذا كانت معركة المسلمين مع حكوماتهم دائماً مطالبتها بألف باء حرية الإنسان واحترامه!وهي معركة بدأت بمجرد أن أغمض النبي صلى الله عليه وآله عينيه وما زالت !
قال ابن قتيبة/30: (إن أبا بكر أخبر بقوم تخلفوا عن بيعته عند علي فبعث إليهم عمر بن الخطاب فجاء فناداهم وهم في دار علي وأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب فقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها عليكم على مافيها ! فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة ! فقال: وإنْ ) ! انتهى.
إن كل القضية تكمن في هذا التحول في يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله ،حيث استبدلت تأكيدات الوحي باحترام الإنسان، بقانون تحالف قريش بالإجبار على بيعة المتغلب ، وإلا فيستحق الممتنعون الحرق وهم أحياء حتى لو كان فيهم عترة النبي وأطفاله صلى الله عليه وآله ! فهذا هو الأساس الذي قامت عليه كل الأنظمة وجاء بكل الخلفاء في العصور! واليك هذه النماذج من تعامل الخلافة مع المسلم:
قال ابن كثير في النهاية:8/123: ( إن معاوية لما مرض مرضته التي هلك فيها دعا ابنه يزيد فقال: يا بني إني قد كفيتك الرحلة والترحال ووطأت لك الأشياء وذللت لك الأعداء ، وأخضعت لك أعناق العرب ، وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي أسسته إلا أربعة نفر: الحسين بن علي ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر . فأما ابن عمر فهو رجل ثقة قد وقذته العبادة وإذا لم يبق أحد غيره بايعك ، وأما الحسين فإن أهل العراق خلفه ليدعونه حتى يخرجونه عليك فإن خرج فظفرت به فاصفح عنه فإن له رحماً ماسة وحقاً عظيماً . وأما ابن أبي بكر فهو رجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله، ليست له همة إلا في النساء واللهو.
وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك روغان الثعلب ، وإذا أمكنته فرصة وثب ، فذاك ابن الزبير ، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إرْباً إرْباً ).
وفي تاريخ دمشق:10/256: (بشْرُ بن مروان بن الحكم كان إذا ضرب البعث(التجنيد) على أحد من جنده ثم وجده قد أخل بمركزه ، أقامه على كرسي ثم سمَّرَ يديه في الحائط ثم انتزع الكرسي من تحت رجليه فلا يزال يتشحط حتى يموت) !
وفي تاريخ الطبري:6/525: (كنت فيمن جاء إلى الرشيد بأخي رافع(أسيراً)قال فدخل عليه وهو على سرير مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع ، وعليه فرش بقدر ذلك أو قال أكثر ، وفي يده مرآة ينظر إلى وجهه قال: فسمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون . ونظر إلى أخي رافع فقال: أما والله يا ابن اللخناء(القذرة)إني لأرجو أن لا يفوتني خامل يريد رافعاً كما لم تفتني! فقال له: يا أمير المؤمنين قد كنت لك حرباً وقد أظفرك الله بي فافعل ما يحب الله أكن لك سلماً ولعل الله أن يلين لك قلب رافع إذا علم أنك قد مننت عليَّ . فغضب وقال: والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي بكلمة لقلت: أقتلوه ! ثم دعا بقصاب فقال: لا تشحذ مداك أتركها على حالها(لاتحدَّ سكاكينك)وفَصِّلْ هذا الفاسق وعجِّل لايحضرن أجَلي وعضوان من أعضائه في جسمه ! ففصله حتى جعله أشلاء فقال: عُدَ أعضاءه فعددت له أعضاءه فإذا هي أربعة عشر عضواً ، فرفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كما مكنتني من ثأرك وعدوك فبلغت فيه رضاك ، فمكني من أخيه ! ثم أغمي عليه وتفرق من حضره ثم مات من ساعته). (وغرر الخصائص/394 ، والنهاية:10/231).
وفي عيون إخبار الرضا عليه السلام:1/172: (وكان الجلودي في خلافة الرشيد لما خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة، بعثه الرشيد وأمره إن ظفر به أن يضرب عنقه ، وأن يغير على دور آل أبي طالب وأن يسلب نساءهم ولايدع على واحدة منهن إلا ثوباً واحداً ! ففعل الجلودي ذلك ، وقد كان مضى أبو الحسن موسى بن جعفر فصار الجلودي إلى باب دار أبي الحسن الرضا هجم على داره مع خيله، فلما نظر إليه الرضا جعل النساء كلهن في بيت، ووقف على باب البيت فقال الجلودي لأبي الحسن:لا بد من أن أدخل البيت فأسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين!فقال الرضا: أنا أسلبهنَّ لك وأحلف أني لاأدع عليهن شيئاً إلا أخذته! فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتى سكن فدخل أبو الحسن الرضا فلم يدع عليهن شيئاً حتى أقراطهن وخلاخيلهن وأزرهن إلا أخذه منهن ، وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير) !!
وفي مقاتل الطالبيين/396: (استعمل المتوكل على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البر بهم وكان لايبلغه أن أحداً أبر أحداً منهم بشئ وإن قل إلا أنهكه عقوبة وأثقله غرماً، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر إلى أن قتل المتوكل)!
وفي عيون إخبار الرضا عليه السلام:2/102: (لما بنى المنصور الأبنية ببغداد جعل يطلب العلوية طلباً شديداً ويجعل من ظفر منهم في الأسطوانات المجوفة المبنية من الجص والآجر ! فظفر ذات يوم بغلام منهم حسن الوجه عليه شعر أسود من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب ، فسلمه إلى البناء الذي كان يبني له وأمره أن يجعله في جوف أسطوانة ويبني عليه ، ووكل عليه من ثقاته من يراعى ذلك حتى يجعله في جوف أسطوانة بمشهده ، فجعله البناء في جوف أسطوانة فدخلته رقه عليه ورحمه له فترك الأسطوانة فُرْجةً يدخل منها الروح فقال للغلام: لا بأس عليك فاصبر فإني سأخرجك من جوف هذه الأسطوانة إذا جن الليل ، فلما جن الليل جاء البناء في ظلمه فأخرج ذلك العلوي من جوف تلك الأسطوانة وقال له: إتق الله في دمي ودم الفعلة الذين معي وغيِّب شخصك ، فإني إنما أخرجتك ظلمه هذه الليلة من جوف هذه الأسطوانة لأني خفت أن تركتك في جوفها أن يكون جدك رسول الله يوم القيامة خصمي بين يدي الله عز وجل) ! وفي بيت الأحزان/103:(فلما نام القوم دخل خالد بمن معه على مالك في بيته وقتله غدراً ودخل بامرأته في ليلته... ثم سباهم وسماهم أهل الردة ).
وفي معجم البلدان: 4/447: ( أبو جعفر الكرخي...وكان أبو القاسم بن أبي عبد الله البريدي لما ملك البصرة صادره على مال أقرف به وسمر يديه في حائط وهو قائم على كرسي ، فلما سُمِّرت يداه بالمسأمير في الحائط نحَّى الكرسي من تحته وسلت أظافيره وضرب لحمه بالقضيب الفارسي) .
وفي شرح النهج: 18/270: (فاستأذن عليه جماعة من أهل البصرة منهم ابن المقفع فأدخل ابن المقفع قبلهم وعدل به إلى حجرة في دهليزه، وجلس غلامه بدابته ينتظره على باب سفيان ، فصادف ابن المقفع في تلك الحجرة سفيان بن معاوية وعنده غلمانه وتنور نار يسجر فقال له سفيان: أتذكر يوم قلت لي كذا؟! أمي مغتلمة إن لم أقتلك قتله لم يقتل بها أحد ! ثم قطع أعضاءه عضواً عضواً وألقاها في النار وهو ينظر إليها حتى أتى على جميع جسده ، ثم أطبق التنور عليه وخرج إلى الناس).
وفي أعيان الشيعة:1/28: (وفعل المنصور ببني الحسن السبط الأفاعيل فحملهم من المدينة إلى الهاشمية بالعراق مقيدين مغللين وحبسهم في سجن لا يعرفون فيه الليل من النهار، وإذا مات منهم واحد تركه معهم ، ثم هدم السجن عليهم). (راجع مروج الذهب:3/299 ، وابن الأثير:5/551) .
(وكان لنمروذ تنور من حديد يحرق فيه من غضب عليه). (نهاية الإرب/2599).
وفي وفيات الأعيان:5/100: (وكان ابن الزيات المذكور قد اتخذ تنوراً من حديد وأطراف مسأميره المحددة إلى داخل وهي قائمة مثل رؤوس المسال ، في أيام وزارته ، وكان يعذب فيه المصادرين وأرباب الدواوين المطلوبين بالأموال ، فكيفما انقلب واحد منهم أو تحرك من حرارة العقوبة تدخل المسأمير في جسمه فيجد لذلك أشد الألم ، ولم يسبقه أحد إلى هذه المعاقبة ، وكان إذا قال له أحد منهم أيها الوزير ارحمني فيقول له: الرحمة خور في الطبيعة)!
(سنة سبع وعشرين وستمائة ، فيها أخذ السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه مدينة خلاط بعد حصار طويل أقام عليها عشرة أشهر ، ولما بلغ صاحبها الملك الأشرف ذلك استنجد بملك الروم وغيره من الملوك وواقع جلال الدين الخوارزمي المذكور وكسره بعد أمور، وقتل معظم عسكره وامتلأت الجبال والأودية منهم وشبعت الوحوش والطيور من رممهم، وعظم الملك الأشرف في النفوس) ! (النجوم الزاهرة:6/273).
(سار إلى خلاط فنهب وسبى الحريم ، واسترق الأولاد وقتل الرجال ، وخرب القرى وفعل ما لايفعله أهل الكفر).(السلوك للمقريزي/122) .
(وأخذز زوجة الأشرف ودخل بها من ليلته).(نهاية الإرب للنويري/6648)
وفي أعيان الشيعة:2/69: (الشيخ أيوب بن عبد الباقي البوري البحراني . هو من أعيان العلماء ، وفي السنة التاسعة بعد الألف رحل من البحرين لضيق المعيشة وقطن في الديار المصرية ، وصار مدرساً للشافعية حتى فهموا منه التشيع فقتل في حجرته في السنة العاشرة بعد الألف). انتهى. فتأمل جيداً في قوله: (حتى فهموا منه التشيع فقتل) ! فيكفي أن يظنوا أو يشكوا شكاً في تشيعه ، حتى يستحق الموت !!
أقول: على ضوء هذا الواقع فإن سؤال أيهما أفضل: الحاكم الكافر العادل أم المسلم الجائر؟ ينبغي أن يوجه الى المسلمين المضطَهدين المسلوبين أبسطَ حقوقهم ، فهم ضحايا الجور الذين يفهمون السؤال وأنه يعني: أيهما تفضل: الحرية الدينية باسم الكفر ، أو الإضطهاد الديني باسم الإسلام ؟
وعلى هذا السؤال أجاب ابن طاووس رحمه الله وتبعه فقهاء المذاهب وأفتوا بتفضيل حكم الكافر العادل على حكم المسلم الجائر ، وبه يجيب كل صاحب دين .
وبه حكمَ الإمام الصادق عليه السلام ففي الكافي:2/410: (عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أهل الشام شرٌّ أم الروم؟ فقال: إن الروم كفروا ولم يعادونا ، وإن أهل الشام كفروا وعادونا ! ) . انتهى.
16- حكم إستعانة المسلمين بالكفار لرفع ظلم المسلمين
ومما يتصل بذلك مسألة بحثها فقهاء المذاهب الإسلامية: هل يجوز الإستعانة بالكفار في قتال الكفار ، وفي قتال البغاة والجائرين من المسلمين ؟ ومحصل كلامهم واحد ، وهو أن استعانة المسلمين بالغير في قتالهم للباغي والظالم تتبع مصلحة الإسلام كدين والمسلمين كأمة ، وأن لايكون الضرر عليهم منه أكثر من الفائدة ، وإنما الخلاف كل الخلاف في تطبيقات ذلك، ومن له حق تقدير المصلحة والضرر ؟
وقد طبقه أتباع ابن تيمية على الإستعانة بالإنكليز في قتال الخلافة العثمانية وكانوا عاملاً مهماً في انهيارها ! ثم طبقه فقهاء الوهابية على الإستعانة بالقوات الأمريكية لحماية البلاد من خطر إيران ، ثم أفتى كبير علمائهم عبد العزيز بن باز بجواز الإستعانة بالأمريكان وغيرهم ضد نظام صدام لتحرير الكويت من قبضته .
ثم أفتى بعض علماء الشيعة بجواز الإستعانة بالأمريكان وغيرهم ، لإسقاط صدام وتخليص الشعب العراقي من ظلمه وجوره .
17- علماء الحلة يجنبون منطقتهم تدميرالمغول
قال العلامة الحلي قدس سره في كشف اليقين/80،عن إخبار أمير المؤمنين عليه السلام بالمغيبات: (ومن ذلك: إخباره عليه السلام بعمارة بغداد وملك بني العباس ، وذكر أحوالهم وأخذ المغول الملك منهم،رواه والدي رحمه الله وكان ذلك سبب سلامة أهل الكوفة والحلة والمشهدين الشريفين من القتل ، لأنه لما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها ، هرب أكثر أهل الحلة إلى البطائح إلا القليل ، فكان من جملة القليل والدي والسيد مجد الدين بن طاووس والفقيه بن العز ، فأجمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنهم مطيعون داخلون تحت الإيلية، وأنفذوا به شخصاً أعجمياً ، فأنفذ السلطان إليهم فرماناً مع شخصين أحدهما يقال له نكلة والآخر يقال له علاء الدين ، وقال لهما: قولاً لهم إن كانت قلوبكم كما وردت به كتبكم تحضروا إلينا ، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه فقال والدي: إن جئت وحدي كفى؟ قالا: نعم ، فأصعد معهما ، فلما حضر بين يديه وكان ذلك قبل فتح بغداد ، قال له: كيف أقدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا ما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم ، وكيف تأمنون إن صالحني ورحلت عنه ؟ فقال له والدي: إنما أقدمنا على ذلك لأنا روينا عن إمامنا علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال في بعض خطبه: الزوراء وما أدراك ما الزوراء؟ أرض ذات أثل يشتد فيها البنيان ، ويكثر فيها السكان ويكون فيها قهازم وخزان ، يتخذها ولد العباس موطناً ولزخرفهم مسكناً ، تكون لهم دار لهو ولعب ، يكون بها الجور الجائر والخوف المخيف ، والأئمة الفجرة والقراء الفسقة ، والوزراء الخونة ، يخدمهم أبناء فارس والروم ، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه ، ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه ، يكتفي الرجال منهم بالرجال والنساء بالنساء ، فعند ذلك الغم الغميم والبكاء الطويل والويل والعويل ، لأهل الزوراء من سطوات الترك وما هم الترك ، قوم صغار الحدق ، وجوههم كالمجانِّ المطرَّقة ، لباسهم الحديد ، جردٌ مردٌ ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم ، جهوري الصوت قوي الصولة عالي الهمة، لا يمر بمدينة إلا فتحها ، ولاترفع له راية إلا نكسها ، الويل الويل لمن ناوأه ، فلا يزال كذلك حتى يظفر ! فلما وصف لنا ذلك ووجدنا الصفات فيكم رجوناك فقصدناك. فطيَّب قلوبهم وكتب لهم فرماناً باسم والدي ، يطيِّب فيه قلوب أهل الحلة وأعمالها . والأخبار الواردة في ذلك كثيرة).
(رويت كلمة قهازم في النسخ: محارم محاذم مهادم مهارم مخازن مخادم مهازم، وهي غير مقنعة ، ولايبعد أن تكون قهازم مصحفة عن قهارم جمع قهرمان ، والقهرمان هو الوكيل المخول ، ويسمى به أمناء الملك وخاصته ، وهو أعلى من الخازن كما في العين:4/11، ولسان العرب:12/496 ، وهي كلمة فارسية معربة ولعل أصلها الفارسي (كارفرما) وقد وردت في الحديث النبوي . فيكون المعنى: أن ملوك بني عباس يكون لهم وكلاء وخزان كالفرس . هذا ، وقد ورد في بعض رواياته زيادة في آخره: يدفع بظفره الى رجل من أهل بيتي...وفيها كلام) .
أقول: قد يشكل بعضهم على عمل فقهاء الحلة رضوان الله عليهم بأنهم تركوا الجهاد الدفاعي عن الإسلام وعن الخلافة وعن منطقتهم ، وبأنه استعجال ومغامرة صادف أنها أصابت ونجحت وحنبت منطقتهم من تدمير المغول .
والجواب: أن هؤلاء الفقهاء الكبار يعرفون أن الجهاد الدفاعي لايجب مطلقاً بل له شروط لم تكن متوفرة في العراق ، فمنها إمكانه، وفائدته ونتيجته، وقيادته الشرعية .
 

المصادر موقع الشيخ علي كوراني العاملي
من كتاب كيف رد الشيعة غزو المغول

العراق باكستان مرة اخرى الارهاب الوهابي

مرة اخرى وخلال 24 ساعة يضرب  الارهاب الوهابي المدنيين الابرياء من اتباع المذهب الشيعي في مدينة كويتا الباكستانية وبغداد العراقية لم يكاد يمضي شهرا على مجرزة كويتا الاولى التي راح ضحتيها اكثر من 100 شهيد من الشيعة  ومئات الجرحى حتى ضرب امس  الاجرام الوهابي هذه المدينة عاصمة إقليم بلوشستان الباكستاني موقعا 84 قتيلاً و حوالي 180 مصاباً عبر عملية انتحارية جبانة اما بغداد التي نالت حصة من هذا الاجرام الوهابي تمثل ب28 شهيدا واكثر من مئة جريح  فمما لا شك فيه انه هناك شعور عارم بات يسيطر على عقول الجماعات التكفيرية الوهابية مثل القاعدة او الفئات الاخرى اللصيقة بها عمليا وعقائديا، يجعل افرادها يتصورون بانهم يمتلكون الارض ومن عليها فيقتلون من يشاؤون ويدمرون مايريدون ويعيثون فيها فسادا دون ان تعترضهم اية حواجز او ضوابط دینیة او ضغوط رسمیة من قبل مجلس الامن و ادعياء "الشرعية الدولیة فقد امسی واضحا ان الوهابية التكفيرية وبدائلها التي تتخذ مسميات مختلفة القاعدة، طالبان، دولة العراق الاسلامية، جبهة النصرة، عسكر جنجوي وغيرها قد انيطت بها وظيفة خدمية لفائدة المشروع الغربي  هي تمعن قتلا وتدميرا وتمزيقا في صفوف الامة بانحاء العالم الاسلامي نعم قد ينجح هؤلاك المجرمون في الاستمرار بجرائمهم لكنهم لن ينجحو ان يخضعو اصحاب مذهب اهل البيت ابدا مهما طال الزمان  الرحمة للشهداء الابرار المظلومون والخزي والعار للقتلة الارهابيين ومن يؤيدهم

من خرافات الوهابية اكذوبة الدجال حسين الموسوي

صدر منذ مدة كتاب أسماه مؤلفه: ( لله ثم للتاريخ : كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار ) لكاتبه الذي أسمى نفسه: السيد حسين الموسوي، ووُصف على ظهر الكتاب بأنه من علماء النجف وقد أثار هذا الكتاب ضجَّة كبيرة واهتماماً بالغاً في أوساط الوهابية في بعض البلاد الإسلامية، واعتبره بعضهم قاصماً لمذهب الشيعة الإمامية، وفاضحاً لبعض مراجعهم المعروفين في الأوساط الشيعية ولكني عندما تأمَّلت هذا الكتاب رأيت أنه كتاب ركيك متهافت، لا يستحق أن يُرَدّ عليه، ولا يستأهل أن يُعتنى بشأنه، وخرجت منه بعدة ملاحظات مهمة، سنذكرها في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى إلا أني لما رأيت اعتداد المخالفين به، وكثرة تشدّقهم بحُجَجه، واحتجاجهم على ضَعَفَة المؤمنين بما فيه من أباطيل وأكاذيب، وإلحاح بعض المؤمنين في الرد عليه، فكان الرد القاصم عليه من كتاب لله للحقيقة الذي اثبت وهابية المؤلف وهنا ابزر الاخطاء التي ارتكبها الدجال المسمي نفسه حسين الموسوي فكيف يمكن لعالم شيعي كبير ان يرتكب مثل هذه الاخطاء الفادحة التي لا يمكن ان يرتكبها طالب علم ابتدائي حتى

كتابٌ حاول النيل من عقائد الشيعة - وليست هذه أول ولا آخر محاولة, ولكن هيهات فالجبال لا تزيلها الرياح ـ, فلم يجد إلاّ طريقاً مفضوحاً ساذجاً لا ينطلي إلاّ على البسطاء من الناس, وتغافل اننا نعيش في عصر الكمبيوتر والأنترنيت وانه ممكن للقارىء وبضغطه زر واحد أن يحصل على ما شاء من المعلومات الدقيقة والعميقة.
وإليك أيها المسلم الغيور نكت حول الكتاب اختصرناها من كتاب كامل في الردّ على مثل هذه الترهات, فاضحك إن شئت تضحك, وابك أن شئت, فنحن في زمن مضحك مبك, يرتكب فيه بعض من يدّعي الإسلام أبشع الكبائر وأكبر الذنوب لضرب أخيه المسلم, فلخدمة مَن؟ وكم هو الأجر؟!
1- مؤلف الكتاب عمره 200 سنة أو أكثر !!
لقد قيل في المثل ( إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً ), لكن المؤلف نسي هذا المثل. وهذا طبيعي ف- (حبل الكذب قصير), فقد ذكر في كتابه الآنف ص104 ما نصّه: (( في زيارتنا للهند التقينا بالسيد دلدار علي النقوي فاهداني كتابه أساس الأصول..)).
ومعلوم جزماً أن دلدار علي النقوي - وهو مؤلف وعالم شيعي - توفي سنة 1820 ميلادي (كما هو مذكور في كتاب (الأعلام للزركلي ج2: ص340), ولنفرض أن هذا المؤلف كان عمره آنذاك حين التقى بدلدار علي النقوي 20 سنة - على أقل تقدير - إذن ستكون ولادة هذا المؤلف سنة 1800م. هذا بالنسبة لولادته. أما وفاته, فهو لم يتوف بعد لانه قال في مقدمة كتابه ص6: (أما أنا فما زلت حياً داخل العراق وفي النجف بالذات), كما أنه يدّعي أنه كان حاضراً حينما توفي السيد الخوئي, ومعلوم أنّ السيد الخوئي توفي سنة 1992م, فاذا طرحنا 1992 من 1800 سيكون عمره إلى حين وفاة السيد الخوئي 192 سنة, أما عمره إلى الآن فهو 203 سنوات!! فاضحك فقد راق الضحك.

2- يقول: (إنه مجتهد وأنّه نال الاجتهاد من الشيخ كاشف الغطاء)!
ومعلوم أن كاشف الغطاء رحمه الله تعالى - وهو مرجع شيعي كبير - ولد سنة 1877م, أي ان المؤلف حينما ولد كاشف الغطاء كان عمره 77 سنة, كما ان الشيخ كاشف الغطاء بدأ بتدريس بحوث الخارج سنة 1898(راجع العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية: ص12) أي كان عمر المؤلف 98 سنة, على أن الطالب يحضر هذه الدروس لا أقل مدة 5 سنوات كي يجتهد, فيكون عمر المؤلف 103 سنوات حينما حصل على اجازة الاجتهاد, ويقول في ص5: (أنّه حصل عليها بتفوّق)!!
فأي تفوّق هذا يا هذا؟! وما حال الطلاب غير المتفوقين؟ لابدّ ان أعمارهم تصل إلى 300 أو 400 سنة حتى ينالوا الاجتهاد!!

3- المؤلف لا يعرف مصطلح السيد ومصطلح الشيخ, ولا يميز بينهما! واليكها:
الأولى: قال في ص5: (أنهيت الدراسة بتفوّق حتى حصلت على اجازتي العلمية في نيل درجة الاجتهاد من أوحد زمانه سماحة السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء), وقال في ص9: (وسألت السيد محمد آل حسين آل كاشف الغطاء..).
الثانية: قال في ص13: (والسيد محمد جواد مغنية..).
الثالثة: قال في ص21: (قال السيد علي الغروي..).
الرابعة: قال في ص48: (السيد لطف الله الصافي..).
الخامسة: قال في ص52: (وكان آية الله العظمى السيد محمد كاظم شريعتمداري..).
الخامسة: (وكان صديقنا الحجّة السيد أحمد الوائلي..).
السادسة: قال في ص102: (بينما يقول السيد أبو جعفر الطوسي المتوفي 460هـ ).
السابعة: بل وصل به الحال إلى الجمع بين المتناقضين, فقال في ص102: (قال الشيخ الثقة السيد حسين بن السيد حيدر الكركي العاملي المتوفى 1076هـ ).
وهناك موارد أخرى لم نذكرها اختصاراً.
ومن الواضح البيّن عند الشيعة, يعرفه صغيرهم وكبيرهم أن هناك فرقاً بين السيد والشيخ; فالسيد يطلق على مَن ينتسب إلى السلالة العلوية, والشيخ يطلق على كل من لم يكن من السلالة العلوية, فكيف غاب عن هذا الشخص والذي يدّعي الاجتهاد أن هؤلاء الذين ذكرهم في كلامه, وأطلق عليهم لفظ (السيد); أنهم من المشايخ وليسوا من السادة؟! مع أن هذا الأمر يعرفه أطفال الشيعة فضلا عن عوامهم, فما بالك بفقهائهم؟!!
وكيف غاب عنه أنّ محمد حسين آل كاشف الغطاء شيخاً وليس سيداً؟ مع أنه يقول: حضرت عنده وحصلت على درجة الاجتهاد منه, فكيف غاب عنه خلال هذه الفترة من الحضور عنده أنه شيخاً وليس سيداً بحيث أطلق عليه في ثلاث موارد (ص5 - 9 - 52) لفظ السيد؟!
فالمؤلف المذكور ألف مسريحة ولم يتّقن أداء الدور فيها; فلبس لباس التشيع وأخذ يكتب بعنوان كونه شيعياً; لكنّه لم يفلح بذلك فوقع في أغلاط فاضحة.

4- زعم هذا الكذّاب في ص14 من كتابه المذكور ان الشيعة يسمون أخوانهم أهل السنة ب- (النواصب).
وهذا هو الخبث بعينه والفتنة بعينها والله تعالى يقول: (( والفتنة أَشَدّ منَ القَتل )) (البقرة:191) فهو يريد الوقيعة بين الشيعة وإخوانهم من أهل السنة, ويريد للمسلم أن يكفّر أخاه المسلم ويلعنه ويقاتله, وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: ((من قال لا إله إلاّ الله فقد عصم مني نفسه وماله إلاّ بحقه وحسابه على الله))(صحيح البخاري ج4: ص5, باب دعاء النبي إلى الإسلام).
وإليك قارئي الكريم حقيقة الحال في لفظ النواصب ومن أمهات كتب الشيعة لتعرف حقيقة الحال, ولكي لا تنطلي عليك مثل هذه الألاعيب الخبيثة فالنواصب عندنا - نحن الشيعة - هم جماعة خاصّة تبغض أهل البيت (عليهم السلام) وتكرههم وتنصب لهم العداوة, مخالفةً بذلك أمر الله تعالى حيث يقول في كتابه المجيد (( قل لَّا أَسأَلكم عَلَيه أَجرًا إلَّا المَوَدَّةَ في القربَى )) (الشورى:23), أي قل يا محمد لقومك لا سألكم على الرسالة وعلى أتعابي وما لقيت من جهد أي أجر سوى أجراً واحداً وهو أن تودوا أهل قرباي, ومعلوم لدى كل مسلم من هم قرابة النبي(صلى الله عليه وآله), فكل من يعاديهم - والعياذ بالله - فهو ناصبي, وإليك كلمات علمائنا في ذلك:
أ- قال الشهيد الثاني زين الدين العاملي الجبعي - وهو من كبار فقهاء الشيعة - في كتابه (مسالك الأفهام ج1, ص24): ((النواصب: وهم المعلنون بعداوة أهل البيت صريحاً أو لزوماً)).
ب- الشيخ رضا الهمداني في كتابه (مصباح الفقيه ج1, ص564 ): ((النواصب: الذين اظهروا عداوة أهل البيت الذين أوجب الله مودتهم وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً...)).
ج- السيد محمد رضا الگلپايگاني في (هداية العباد ج2, ص217) قال: ((النواصب: هم المعلنون بعداوة أهل البيت (عليهم السلام) وان أظهروا الإسلام)).
د- السيد أبو القاسم الخوئي في كتابه (تنقيح العروة الوثقى ج2, ص75) قال في تعريف النواصب: ((هم الفرقة الملعونة التي تنصب العداوة وتظهر البغضاء لأهل البيت(عليهم السلام))).
فاتضح لك الأمر قارئي الكريم أن الشيعة تطلق لفظ النواصب على فرقة خاصّة كرهت أهل البيت, مثل: الخوارج الذين حاربوا إمام زمانهم, وسيد أهل بيت النبي وهو الإمام علي (عليه السلام), أو من قاتل الإمام الحسين (عليه السلام); فهؤلاء نواصب.
أما عامة أهل السنة فانهم محبون لأهل البيت, بل إنّ كثيراً منهم يذرفون الدمع عند سماعهم بمصيبة الحسين وأهل بيته فكيف نسميهم نواصب؟! وما هذا الكذب الذي افتراه هذا المفتري إلاّ كيداً للإسلام وضرباً لاتباع النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من سنة أو شيعة, فأخزى الله كل متآمر على الإسلام.

 5 في ص14 من كتابه المذكور - والكتاب كلّة عبارة عن كذب ومغالطات رخيصة

ذكر عدّة مفتريات توالت بنسق واحد, ومصبها وهدفها الصاق كل ما يمكن الصاقه من المفتريات بالشيعة والتشيّع, محاولا أن يجمع فيها كل كلمة ذم وتوبيخ وعتاب قيلت من قبل الأئمة في أي جماعة كانت ولصقها بالشيعة, بل زاد - وبشكل مفضوح - الأمر بأن جعل كلام الإمام الحسين (عليه السلام) الذي قاله بحق اعدائه وقتلته الذين قاتلوه في يوم عاشوراء, جعل هذا الكلام موجهٌ إلى الشيعة, ولكن لا عجب, فقد قال الشاعر:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم

وقبل البدء بالجواب نستعرض لك - أيها القارىء اللبيب - قسماً من تلك المفتريات المخزية ثم نيجب عليها ان شاء الله:
أ- في ص14: نقل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) الموجّه لأهل الكوفة (يا اشباه الرجال ولا رجال حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال...).
ب- في ص15 أورد خطبة الإمام علي (عليه السلام) - وقد حذف منها كلمتين - فغير المخاطب وهذا أسلوب قذر, إذ قد يردّ الذم والتوبيخ لزيد, لكن الناقل للذم يغيره ويقول: إن الذم ورد في عمر - فقد أورد الكاتب الخطبة هكذا ((صمٌ ذوو اسماع, وبكم ذوو كلام, وعمي ذوو أبصار, لا أحرار صدق عند اللقاء و...)), وقد حذف أول الخطبة وهي قول أمير المؤمنين (عليه السلام) ((يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين: صمٌ ذوو اسماع و...)).
فتلاحظ كم تغير الخطاب وكم هو الفرق بين أن يدّعي هذا الكاذب ان الخطاب مقصود به الشيعة, وبين حقيقة الحال وان المقصود به هم أهل الكوفة, وسنثبت للقارىء الفرق الكبير والبون العظيم الشاسع بين اللفظتين (الشيعة) و(أهل الكوفة).
ج- في ص18 لخَّص مطالبه بأمور وكان أهمها قوله: ملل وضجر أمير المؤمنين من (شيعتهم أهل الكوفة), وأرجو من القارىء أن يتنبّه جيداً للتعبير الذي بين القوسين ففيه تمام المغالطة على ما سنبينه لاحقاً.
الجواب: تلاحظ - عزيزي القارىء - انه استخدم لفظ (أهل الكوفة) ليضرب به الشيعة والتشيع محاولا ايهام القراء ان لفظ (الكوفة = الشيعة) والعكس بالعكس, وهذا كذب عظيم سنجيب عليه بالنقاط التالية:
أ. ان المتتبّع لتاريخ الكوفة تتبّعاً علمياً دقيقاً يجد أن الكوفة من المدن التي أحدثها الإسلام, فقد بناها سعد بن أبي وقاص بأمر من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب سنة 17 هجرية حتى سميت ب- (كوفة الجند) (راجع تفصيل ذلك في معجم البلدان / لياقوت الحموي ج4, ص491), وعندما تأسست هذه المدينة تسابق لها المسلمون بشتى مشاربهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية, حتى احصى (ابن سعد) في كتابه (الطبقات الكبرى) في باب (طبقات الكوفيين) ما يقارب (150) صحابياً ممّن نزل الكوفة, وقد سكنها العرب واليهود والنصارى والفرس, أما العرب فقد كان تعدادهم على ما أخبر به الشعبي فقال: ((كنا نعد أهل اليمن اثني عشر الفاً, وكانت نزار ثمانية آلاف) راجع (معجم البلدان ج4 ص492).
إذن, فالعرب في الكوفة أيام علي ـ(عليه السلام) - وولده الحسن والحسين - يربوا عددهم على العشرين ألف, فهل من العقل والمنطق أن نقول: أنّ 000/20 الف عربي و150 صحابي كلّهم شيعة لعلي(عليه السلام)؟!
ب. الفرس في الكوفة: وكان عددهم 4000 رجل تحالفوا مع قبيلة تميم وسموا ب- (الحمراء) أو (حمراء ديلم), لأن قائدهم يدعى (ديلم), وهم بقايا فلول الجيش الفارسي المنهزم من معركة القادسية, استوطنوا الكوفة راجع (فتوح البلدان/للبلاذري ج2 ص344), فهل هؤلاء أيضاً هم شيعة أو يمكن أن يكونوا شيعة؟!
ج. الأديان في الكوفة (اولا: النصارى): قال ياقوت الحموي / في معجم الزوائد ج4 ص493 في وصف الكوفة: ((أما ظاهر الكوفة فانها منازل النعمان بن المنذر و... وما هناك من المتنزهات والديرة الكبيرة)).
والديرة: جمع دير وهو مكان عبادة النصارى.
كما ذكر لنا المؤرخ الشهير الطبري في كتابه (تاريخ الامم والملوك) المعروف بتاريخ الطبري ج3, ص445 الطبعة الاولى المصحّحة, كيف ان نصارى العرب من قبيلة تغلب كانوا ممّن ساهموا في إعمار الكوفة واستيطانها في زمان الخليفة الثاني وإليك النصّ: ((... فعاقدوا عمر على بني تغلب فعقد لهم ; على أن من أسلم منهم فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ومن أبى فعليه الجزاء)أي أن يدفع الجزية(..., فقالوا: اذن يهربون وينقطعون ويصيرون عجماً... فهاجر هؤلاء التغلبيون ومن اطاعهم من النمريين والأياديين إلى سعد بالمدائن وحطوا معه بعد بالكوفة...)), فلا أدري هل هؤلاء النصارى الذين سكنوا الكوفة هم من الشيعة؟!!
د. اليهود في الكوفة: لقد تواجد اليهود في الكوفة منذ زمن بعيد يرجع إلى 597 قبل الميلاد منذ ان سباهم الملك الكلداني نبوخذ نصّر, وحافظوا على وجودهم في المنطقة على مرّ العصور, كما انظم إلى يهود العراق يهود المدينة حين تم جلائهم منها, فاستوطنوا الكوفة منذ عام (20) للهجرة (راجع نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق/ليوسف رزق الله ص103), وقد سيطر اليهود في الكوفة على التجارة والصياغة, ولهم معابد ومزارات لا تزال موجودة إلى اليوم, ومن كان من أهل الكوفة يعرف ذلك جيداً, فانا أسأل هل اليهود أيضاً من شيعة علي(عليه السلام)؟!
هـ. المسلمون ومشاربهم السياسية في الكوفة: واخيراً ننهي الجواب بالتعرف إلى أمر مهم وهو أن المسلمين الذين استوطنوا الكوفة انفسهم لم يكن لهم رأي واحد أو مشرب سياسي واجتماعي واحد, فقد كان كثير منهم بل الأغلبية الغالبة كانوا يرون أفضلية أبو بكر وعمر وعثمان على علي بن أبي طالب(عليه السلام), وهذا واضح لمن له ادنى تأمل, ويكفينا هنا شاهد واحد من أدلّة وشواهد لا تحصى لكن المقام مقام اختصار; فقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في كتابه الشهير (شرح نهج البلاغة / ج12, ص283 طبع دار احياء التراث / بيروت) قال: ((وقد روي ان أمير المؤمنين (يعني علياً)(عليه السلام) لما اجتمعوا إليه بالكوفة, فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلي بهم نافلة شهر رمضان)وهي صلاة التراويح عند أهل السنة وهي بدعة عندنا, بل ان عمر نفسه سمّاها بدعة واستحسنها قائلا: نعم البدعة هذه(راجع البخاري/كتاب صلاة التراويح حديثه...(فزجرهم) أمير المؤمنين (وعرّفهم أن ذلك خلاف السنة, فتركوه واجتمعوا لأنفسهم, وقدّموا بعضهم) أي أنهم عصوا أميرهم وسيدهم (فبعث إليهم ابنه الحسن(عليه السلام) فدخل عليهم المسجد, ومعه الدرّة, فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا: وا عمراه)).
وأول من صاح بها قاضي الكوفة شريح كما نقل ذلك صاحب (قاموس الرجال/التستري ج5, ص67) فهل هؤلاء شيعة علي (عليه السلام)؟!!
أم هل يمكن أن أبو موسى الأشعري الذي وقف يخاطب جموع أهل الكوفة ويثبّطهم عن نصرة أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في حرب الجمل ويقول لهم: (( ان علياً (لاحظ انه حتى لم يقل أمير المؤمنين وقاحةً وصلفاً) انما يستنفركم لجهاد أمكم عائشة,... أشيموا سيوفكم, وقصروا رماحكم, وقطعوا أوتاركم والزموا البيوت)) (راجع كتاب الجمل / الشيخ المفيد ص134, وشرح نهج البلاغة ج14, ص15, فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج13, ص73).
فهل هذا ومن لفَّ لفّه يمكن أن نعدهم من شيعة علي(عليه السلام)؟
وأخيراً: هذين شذرتين صغناها لك قارئي الكريم لتكتمل معرفتك, وهناك شذرات لا عدَّ لها لمن أراد الاستزادة وهي موجودة في بطون الكتب, فمن أراد فليتابع البحث بنفسه:
1. قال الحسين(عليه السلام) مخاطباً الجيش الذي جاء لقتاله في يوم عاشوراء: ((ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخالفون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم, وارجعوا إلى أحسابكم ان كنت عرباً كما تزعمون))/راجع كتاب اللهوف في قتلى الطفوف / علي بن موسى بن طاووس ص71.
2. في كتاب اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال النجاشي) / تأليف الشيخ الطوسي ص6 رواية رقم 11, عن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: ((كان علي بن أبي طالب(عليه السلام)عندكم بالعراق يقاتل عدوه ومعه اصحابه, وما كان فيهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته, وحق معرفته امامته)).
فيتبيّن لك - قارئي الكريم - من هم قتلة الحسين(عليه السلام), وكم هم الشيعة الواقعيون في ذاك الزمان.

6- جهل المؤلف بالمصطلحات الشرعية التي يعرفها عوام الناس:
جهلة بمعنى التقية عند الشيعة والسنّة, وجاء بكلام حولها لا يتفوّه به إلاّ الجهال ومن لا معرفة عندهم, فقد قال في ص9: (وسألت السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ؟ فقال: إن ابن سبأ خرافة وضعها الأمويون والعباسيون حقداً منهم على آل البيت الأطهار, فينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه بهذه الشخصية) ويتابع المؤلف كلامه فيقول: (ولكني وجدت في كتابه)أي كتاب كاشف الغطاء(المعروف بأصل الشيعة وأصولها ص40 - 41 ما يدلّ على وجود هذه الشخصية وثبوتها حيث قال: (أما عبدالله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة ويلصقون الشيعة به, فهذه كتب الشيعة باجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه) ثم يقول المؤلف: (ولا شك أن هذا تصريح بوجود هذه الشخصية فلمّا راجعته في ذلك قال: (إنما قلت هذا تقية, فالكتاب مقصود به أهل السنّة).
وملخّص ما ذكره المؤلف: ان كاشف الغطاء ذكر رأيين في كتاب واحد في صفحة واحدة حول عبدالله بن سبأ فلمّا سأله الكاتب عن ذلك أجاب: إن ذلك تقية!
وهذا جهل فضيع من المؤلف بمعنى التقية الشريعة التي يؤمن بها الشيعة والسنّة, لا يصدر من متعلّم فضلا عن عالم يدّعي الإجتهاد والعلم, وإليك معنى التقية الشرعية عند الشيعة باجماع فقهائهم لترى هل ينطبق عليها كلام المؤلف أم لا.
التقية: معناها: (إن الإنسان إذا خاف على نفسه أو عياله أو على مؤمن من عدو أو ظالم فله أن يخالف الشريعة في حدود ما يرتفع به الخوف والإكراه) (الموسوعة الفقهية, محمد علي الأنصاري: ج1, ص19).
وقال بشرعيتها الشيعة والسنة, كما أن القرآن والسنة النبوية نطقا بذلك:
قال تعالى: ((لاَّ يَتَّخذ المؤمنونَ الكَافرينَ أَوليَاء من دون المؤمنينَ وَمَن يَفعَل ذَلكَ فَلَيسَ منَ اللّه في شَيء إلاَّ أَن تَتَّقوا منهم تقَاةً...))(آل عمران:28), وكذلك الآية 106 من سورة النحل, والآية 28 من سورة غافر.
وأما السنة النبوية: فارجع إلى الحاكم, وابن سعد, وابن عساكر, والذهبي في قضية عمار بن ياسر حينما قال له الرسول(صلى الله عليه وآله): (ما وراءك؟ قال: شرّ يا رسول الله, ما تفرفكتف حتى نفلتف منك, وذكرتف آلهتهم بخير. فقال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالايمان, قال(صلى الله عليه وآله): إن عادوا فعد) (مستدرك الحاكم 2: 357, الطبقات الكبرى 3: 249, سير أعلام النبلاء 1: 411, ابن عساكر 43: 373).
وذكر الشوكاني - وكان قاضي القضاة وامام أهل السنة والجماعة - في (نيل الأوطار) أن تسمية زياد بن سفيان الذي ورد في كلام المحدثين, كان في زمن بني أفمية خوفاً واتقاءً منهم, مخالفين بذلك الاجماع على تحريم نسبته إلى أبي سفيان, قال: (وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان, وما وقع من أهل العلم في زمن بني أفمية فانما هو تقية) (نيل الأوطار, الإمام الشوكاني 5: 193), فهل التقية حلال على أهل السنة حرام على أهل الشيعة؟
وأخرج البخاري حديث أبي هريرة: (حفظت عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعاءين فاما أحدهما فبثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم)(صحيح البخاري 1: 56, الذهبي, سير أعلام النبلاء: 2/597), أي انه اخفاه تقيةً وخوفاً.
وقد علّق العلامة شعيب الارنؤوط على ذلك بقوله: (وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين امراء السوء وأحوالهم... ولا يصرّح بها خوفاً على نفسه منهم كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان. يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية; لأنّها كانت على رأس سنة ستين).
وقال الفخر الرازي: (.. روى عوف عن الحسن أنه قال: التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة وهذا القول أولى; لأنّ رفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان) تفسير الرازي 8/14.
إذا عرفنا معنى التقية عند الشيعة والسنّة أنّها تجوز عند الضرورة, لا فرق بين أن تكون مع الكفّار أو المسلمين نأتي إلى كلام المؤلف فنقول: إذا كان الشيخ كاشف الغطاء يتّقي في كتابه أصل الشيعة وأصولها فلماذا لم يقتصر على انكار وجود عبدالله بن سبأ فقط, ولا حاجة لأن يثبت وجوده؟! بينما نجده يقول في ص40 - 41: (أما عبدالله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به فهذه كتب الشيعة باجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه وأخف كلمة تقولها كتب الشيعة في حقّه ويكتفون بها عن ترجمة حالة عند ذكره في العين هكذا (عبدالله بن سبأ العن من أن يذكر), على أنه ليس من البعيد رأي القائل أن عبدالله بن سبأ وأمثاله كلها أحاديث خرافة وضعها القصاصون وأرباب السمر والمجون)؟!
فالشيخ يقول:
أولا: ان الشيعة تتبرأ من عبدالله بن سبأ ولا ربط لعقيدة الشيعة به, سواء كان موجود أو غير موجود.
ثانياً: إن عبدالله بن سبأ لعله شخصية وهمية وضعها أعداء الشيعة للنيل منهم.
فأين التقية في هذا الكلام؟ وما هي الضرورة - التي عندها يجوز التقية - التي دعت الشيخ إلى ذلك؟
وإذا كان يريد الاتقاء ومداراة ابناء السنّة لكان من المضحك أن يقول هذا الكلام; إذ فيه الاقرار بوجود عبدالله بن سبأ, فكيف يتّقي وينكره؟!
وكيف يأتي بأمرين في آن واحد وهو يتقي, فهذا يكون حاله كحال من اضطره الكفار إلى الكفر فيقول: (كفرت) ثم يتبع كلامه بالقول (لا أنا باق على الإسلام ولم أكفر) في نفس الوقت وفي نفس الموقف, فهل هذا إلاّ ضحك ولعب؟!

7- جهل المؤلف بالمعنى الشرعي لنكاح المتعة:
قال المؤلف الذي يدّعي العلم - كما زعم - في ص38: (إن المتعة كانت مباحة في العصر الجاهلي ولما جاء الإسلام أبقى عليها مدة ثم حرمت يوم خيبر).
وأخذ يفسّرها بما شاء من الأكاذيب والأباطيل, ولكن إذا رجعنا إلى المصادر الروائية والتاريخية لا نجد ذكراً لنكاح المتعة في الانكحة الجاهلية.
فارجع إلى صحيح البخاري تجد أن أم المؤمنين عائشة ذكرت أن نكاح الجاهلية أربعة اقسام:
1. النكاح المعروف في زماننا من الخطبة والمهر والتزويج.
2. المرأة المتزوجة يطلب منها زوجها أن تذهب وتستبضع من رجل آخر كي تحمل بحمل من ذلك الشخص, طلباً لنجابة الولد.
3. أن يجتمع عشرة انفار على امرأة فإذا حملت ارسلت إليهم, وهي تعين من الأب لهذا الحمل.
4. نكاح البغايا وحاملات الرايات (صحيح البخاري: 3/369, حديث رقم 5127).
ونقل سيد سابق نوعين آخرين:
1. نكاح البدل: وهو أن يبدل الرجل مع الرجل الآخر زوجة كل منهما.
2. والخدن: وهي المتزوجة التي تصادق شخص سراً يزني بها (فقه السنّة 2: 8).
وسواء كانت الاقسام أربعة أم ستة لا نجد نكاح المتعة في انكحة الجاهلية, فكيف يدّعي أنه نكاح جاهلي؟!
والمؤلف بما أنه ليس شيعياً فقد أخذ هذا القول من الوهابي المتشدّد (موسى جار الله) صاحب كتاب (الوشيعة في نقض عقائد الشيعة) حيث قال هناك ص3: (أرى أن المتعة من بقايا الانكحة الجاهلية). فلاحظ انه قال (أرى) ولم يكن لديه أي دليل والمؤلف لما كان وهابي ولما كان ينقل من غيره وقع في هذا الخطأ الفضيع نفسه.

8- قال في ص42 عند كلامه عن مفاسد المتعة:

(6 - إن المتعة ليس فيها إشهاد ولا إعلان ولا رضى ولي أمر المخطوبة, ولا يقع شيء من ميراث المتمتّفع للمتمتَّع بها, فكيف يمكن إباحتها واشاعتها). إن أي شخص شيعي يقرأ هذا الكلام يتّضح له وضوح الشمس في رائعة النهار أن هذا المؤلف ليس شيعياً, وكذلك يتّضح حتى لغير الشيعة ممّن لهم معرفة بالشيعة وفقههم, فضلا عن شخص يدّعي الفقاهة كالمؤلف المزعوم وذلك:
أ- قال: (المتعة ليس فيها إشهاد):
ونحن نقول: إن الشيعة قاطبة قديماً وحديثاً لا تشترط الإشهاد في عقد النكاح, لا فرق في ذلك بين الدائم والمنقطع (المتعة), أي حضور شاهدين عند العقد ليس شرطاً في صحّة العقد, بل يصحّ العقد من دون حضور شهود, وإنما يشترط الشهود في عقد النكاح المذاهب الأربعة الاخرى (مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي), فمن هذا يتّضح أن المؤلف ليس شيعياً فضلا عن أن يكون عالماً; إذ لم يميز بين الفقه الشيعي, وفقه المذاهب السنّية, فأخذه قلمه وفضحه.
ب- قال: (ولا اعلان) وهذا أيضاً كسابقه, إذ الشيعة لا تشترط الإعلان في النكاح دوماً أو متعة; وإنما يشترطه بقية المذاهب السنية الاخرى (ارجع إلى بداية المجتهد لابن رشد 2/15).
فكيف غاب عن المؤلف الذي يدّعي العلم أن الشيعة لا تشترط الإعلان في العقد, باجماعهم قديماً وحديثاً, والذي يشترطه غيرهم حتى جاء وعد ذلك من مفاسد المتعة؟!
فهذا يدلّ على أن المؤلف لا يعرف المصطلحات الشرعية في المذهب الشيعي, فضلا عن أن يكون عالماً شيعياً عمره 200 سنة ويزيد.
ج- قال في ص40: (إن امير المؤمنين(عليه السلام) هو الذي روى تحريم المتعة في نقله عن النبي(صلى الله عليه وآله), فكيف يفتي هنا بأن نكاح متعة...).
المؤلف هنا لا يميز بين كلام الإمام المعصوم(عليه السلام), وبين فتوى الفقيه, فالشيعة قاطبة تؤمن بأن المعصوم هو المصدر للحكم الشرعي, ولا تطلق عليه أنه يفتي, وإنما كلامه كلام الله ورسوله(صلى الله عليه وآله), وليس مفتياً, والفقيه هو الذي يفتي لان الفتوى معرّضة للصواب والخطأ, فلذلك لا يقال: افتى علي(عليه السلام) بحلّية المتعة مثلا; لأن علي بن أبي طالب(عليه السلام) معصوم, وكلامه مطابق للواقع ولا يكون فيه خطأ, فلذلك لا يقال: افتى علي(عليه السلام), وانما يقال: افتى السيد الخوئي - مثلا - بحلّية المتعة; لأنّ السيد الخوئي فقيه غير معصوم فكلامه يحتمل الإصابة وعدم الاصابة.
ولكن المؤلف باعتباره سنّياً فيرى علي بن أبي طالب(عليه السلام) ليس معصوماً, وإنما هو أحد الصحابة الذين يفتون, فلذلك ظهر هنا بلباسه الواقعي وقال: (فكيف يفتي هنا بأن هذا نكاح متعة), وجهل بأن علياً معصوماً, ولا يطلق عليه أنه مفتىً وإنما هو مصدر من مصادر التشريع.
فهو جاهل باصطلاح (المفتي) واصطلاح (المشرّع) و(مصدر الشرع).
9- الجهل بمعنى لفظ الجارية:
قال في ص46: (إن انتشار العمل بالمتعة جر إلى إعارة الفروج وإعارة الفروج معناها أن يعطي الرجل امرأته... إلى رجل آخر فيحل له أن يتمتع بها أو أن يصنع بها من يريد, فإذا ما أراد الرجل أن يسافر أودع امرأته عنده جاره أو صديقه أو أي شخص يختاره فيبيح له أن يصنع بها ما يشاء.. وهناك طريقة ثانية لاعارة الفروج, إذا نزل أحد ضيفاً عند قوم وأرادوا إكرامه فان صاحب الدار يعير امرأته للضيف طيلة مدّة الإقامة..) واستدل لكلامه بما روي عن الصادق(عليه السلام): (يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها, فإذا خرجت فارددها إلينا).
إن من يقرأ هذا الكلام - بغضّ النظر عن الكذب والافتراء الذي فيه, إذ إنّ ما ذكره ليس هو نكاح متعة بل زنا تحرمه الشيعة - يعجب من المؤلف المذكور, ويتحير في كيفية فهم كونه فقيهاً عمره أكثر من مأتين سنة, فهو لا يفرّق بين الزوجة الحرّة وبين الجارية والتي تعني (الامة المملوكة)!
إذ كيف يكون بهذا العمر ويدّعي الفقاهة, وهو لا يعرف معنى لفظ (الجارية)؟ سبحانك اللهم فإذا كان حال العالم هكذا فماذا نقول عن الجاهل؟!
بل واي معنىً يبقى لتعريف الجاهل؟!
فهذا المؤلف بعيد عن العلم, بل هو بعيد عن الدين الإسلامي بمذاهبه المختلفة.
هناك في الفقه الإسلامي باب يسمّى (باب الإماء والعبيد), ويفعنى به أن الأسير المشرك إذا وقع بيد المسلمين في حرب اسلامية مع الكفّار; يكون عبداً لهم ويحقّ لهم تملكه سواء كان امرأة أو رجل, ويطلق على الامة المملوكة لفظ (الجارية) أيضاً; لأن لفظ الجارية مشترك بين المرأة الحرّة والامة (المملوكة) وبين الصغيرة والكبيرة, والمؤلف هنا خلط - جهلا أو تجاهلا - بين المرأة الحرّة والمرأة الأمة, وهذه الروايات التي أوردها, والتي ذكرنا منها واحدة - اختصاراً - أوردها الشيخ الطوسي في التهذيب 7/240 تحت باب (نكاح الاماء) أو (ما يسمّى بملك اليمين), وأوردها في الاستبصار تحت باب (نكاح الإماء), أي النساء الجواري المملوكات, والمؤلف لا يعرف معنى الجارية, ولا يعرف عنوان الباب الذي نقل منه الرواية, واستخدام لفظ الجارية في المرأة المملوكة أمر معروف ومشهور في كتب الشيعة والسنة على السواء; فكيف لم يستطع المؤلف معرفته وجعل الروايات واردة في جواز التمتع بالزوجة الحرة؟! (هذا بغضّ النظر عن أن المتعة هي قسم من اقسام النكاح, ومن شروط النكاح عند عموم المسلمين شيعة وسنّة وظاهرية وغيرهم أن تكون المرأة غير متزوجة, ولا يقع نكاح بامرأة متزوجة; لأنّه لا ينعق
د نكاح مع نكاح آخر) مع أن الروايات واردة في نكاح الجواري, أي النساء المملوكات, ولا ربط لذلك بنكاح المتعة, ولا بنكاح المرأة الحرّة المتزوجة؟! ويمكن القاريء مراجعة الكتب الفقهية الشيعية لمعرفة ذلك, ونقتصر هنا على نقل بعض ما ورد حول الجارية من كتب أهل السنة:
1. قال النووي في تلخيص الحبير 10/194: (إن عطاء بن رباح كان يجوز وطىء الجارية المرهونة باذن مالكها).
2. وقال محمد الشربيني في مغني المحتاج 2/96: (وللمشتري وطىء الجارية المبيعة حال النزاع وقبل التحالف).
3. وقال النووي في روضة الطالبين 3/118: (إذا علم البائع أن المشتري يطأ الجارية وسكت عليه هل يكون مجيزاً..).
4. قال الحجاوي في الاقناع 2/291: (إذا كان الشريك المستولد أصلا لشريكه يسري كما لو استولد الجارية التي كانت كلها له وعليه قيمة نصيب شريكه).
والمؤلف فضح نفسه حينما قال في ص6: (فقرأت كل ما وقفت عليه من المصادر المعتبرة, وحتى غير المعتبرة بل قرأت كل كتاب وقع في يدي), مع انه لا يميز بين الجارية التي تعني (الامة المملوكة), وبين المرأة الحرة, ولا يميز بين نكاح الاماء, وبين التزوج متعة؟! ولم يرجع إلى كتاب الام للشافعي, ولا إلى الدر المختار للحصفكي, وحاشية المختار لابن عابدين, والبحر الرائق لابن نجيم المصري, والموطّأ للإمام مالك, وتنوير الحوالك لجلال الدين السيوطي, والمبسوط للسرخسي, ولا إلى المصادر المتقدّمة فأي المصادر المعتبرة قرأها؟
وأي مصدر غير معتبر قرأه؟
وأي كتب قرأها من غير المصادر المعتبرة وغير المعتبرة؟!
وأين تقع الكتب التي ذكرناها مما قرأه المؤلف؟
إنّ القارىء عندما يلحظ جهل الكاتب بابسط الأفمور بحيث لا يعرف معنى لفظ (الجارية) ويقرأ عبارته في ص6 يقطع بكذبه وجهله, وانه لم يكن شيعياً في يوم من أيامه, وأنه لم يقرأ إلاّ الكتب التي كتبها أعداء الشيعة كاحسان الهي ظهير, وموسى جار الله, وناصر القفاري, ومحمد مال الله, وعبدالله الغفاري, وقام بتجميع ما فيها من تهم وأباطيل وجمعها في كتابه.

10- لا يعرف الكتب التي تدرس في الحوزة:
لعل القارىء يتفاجأ من العنوان ويندهش, إذ كيف يكون المؤلف غير عارف بمنهج الدراسة الحوزوية, وما هي الكتب التي تدرّس فيها, مع أنه ذكر في أول الكتاب بأنه حضر عند (السيد) محمد حسين آل كاشف الغطاء ونال درجة الاجتهاد منه, وله من العمر الآن أكثر من مأتين سنة, وقضى عمره في الحوزة العلمية - كما زعم ـ, فكيف لا يعرف ماذا يدرس في الحوزة العلمية من كتب؟
لكن هذا الاستغراب يزول عندما يأتي المؤلف في ص20 ويقول: (كنا نقرأ أصول الكافي مرة مع بعض طلبة الحوزة العلمية في النجف على الإمام الخوئي)
وإذا سألنا أي طالب علم في الحوزة العلمية بأن أصول الكافي هل يدرّس في الحوزة أم لا؟
كان الجواب: بأن أفصول الكافي لا يدرّس في الحوزة العلمية, وليس من مناهج التدريس فيها, والمناهج التدريسية في الحوزة العلمية واضحة, وهي الفقه والاصول والعقائد والتفسير, والنحو..., وليس أصول الكافي واحداً من هذه الافمور, وإنما هو مصدر روائي يرجع إليه لأخذ الروايات فقط; فانظر إلى سفاهة عقل المؤلف يأخذ الاجتهاد بتفوق في عمر 103!
وله من العمر أكثر من مأتين سنة, ولا يعرف ما يفدرس في الحوزة العلمية من كتب؟!
والمؤلف بما أنه ليس شيعياً صدر منه هذا الخطأ المضحك وبما أن الكتب الروائية كصحيح مسلم والبخاري يدرسونها في المدارس الدينية, فتصور أن الشيعة - أيضاً - تدرس كتبها الروائية في المعاهد الدينية, فلذلك وقع في هذا الخبط الأعمى وفضح نفسه.
ثم إنه قال أخذت الاجتهاد من (السيد) محمد الحسين آل كاشف الغطاء, والشيخ كاشف الغطاء ولد 1877م (العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية: ص12) وفرضنا على اقل تقدير أنه أخذ إجازة الاجتهاد من كاشف الغطاء حينما كان عمره 25 سنة, أي في سنة 1902, وعمر المؤلف حينما أخذ اجازة الاجتهاد 103 على أقل حساب, والسيد الخوئي ولد عام 1899م (مجلة الموسم ص13, العدد 17, سنة 1994م - 1414هـ), إي ان المؤلف قبل ولادة السيد الخوئي بسبع سنين مجتهداً فيكون عمر المؤلف حينما ولد السيد الخوئي 110 سنة, ولنفرض أن السيد الخوئي في سن 30 من عمره الشريف درّس المؤلف المذكور كتاب (أصول الكافي), فيكون عمر المؤلف حينما حضر درس (أصول الكافي) عند السيد الخوئي(رحمه الله) 140 سنة, وهذا من المضحكات:
1. أنت مجتهد قبل ولادة السيد الخوئي, فكيف لم تطلع على أصول الكافي وترجع إليه؟!
2. كيف تحضر بعد أربعين سنة من اجتهادك - كما زعمتم - وتدرس أفصول الكافي؟ إذن أين كنت في الفترة الماضية؟!
3. إذا كان الإنسان في سن 140 سنة يحضر درس أصول الكافي فكم عمره إذا أراد أن يصير مجتهداً؟!
إن من يسمع هذا الكلام يضحك ويهزأ بعقل المؤلف - إن كان له عقل ـ, إذ جعل من نفسه أضحوكة يتسلّى بها الأطفال لا الكبار, فعميت عيونٌ أصمها التعصب, وازلها الشيطان حتى أصبحت من جنوده, تدافع عن الباطل بالكذب والخرافات, وتريد طمس الحق بمثل هذه الترهات, ولكن (( وَاللَّه متمّ نوره وَلَو كَرهَ الكَافرونَ

المصادر شبكة الشيعة العالمية

ومركز الابحاث العقائدية